كل العالم يضحك من أطفال الليشمانيا
في البدء كانت البراري والحقول وامتدادات الرمل الشاسعة
ثم كانت القوارض
وذبابة الرمل
وأطفال "تافيلالت"
والبرلمان
القارض:
فأر الرمل السمين
نظف الجحر من فضلات الأمس، وخرج يبحث عن قوت اليوم..
لمح ظل طائر يحوم بالقرب، وسحلية تزاول تمرينا في
التمويه.. توقف عند شجرة "رِمْت"، وخال أنه سمع صوتا يشبه الفحيح، وحركة
زحف متكتم على الأرض، فجرى مبتعدا بأقصى ما تتيحه الدهون المتراكبة تحت الجلد.. لم
يكن قد اطمأن تماما حين توقف قليلا يستريح، وتبول على حجر.. ولم يشك في أنه أفلت
من موت محقق، حلق فوقه للحظات، وفح بالقرب دون أن تسعفه الحركة الأخيرة..
تمكن من التهام حشرة أولى، فثانية، وتبول مرة أخرى..
ربما لم يكن أكثر سعادة أو أشد بؤسا من ذي قبل، لكنه كان هناك.. في البرية
المديدة، العامرة بالأنفاس والمعزولة عن فظاعات العمران. فكر في أن الحياة تستحق
أن تعاش، وأن هذا الامتداد الشاسع تحت
الشمس هبة الله الرحيم إلى الجرذان..
في لحظة مماثلة، للإمتلاء وترسيخ القناعات، لم يكن ليأبه
بتلك الذبابة الضئيلة التي حطت على فروه الترابي كحبة هباء، ونفذت بخرطومها
اللامرئي إلى مجرى الدم.
الذبابة:
تضرب الذبابة
الهواء بجناحين هشين.. تتحسس ملامح المحيط وتمني النفس بوجبة طعام لائقة. لقد خلفت
العمران وراءها، والأطفال المتصايحين، ويممت جهة الفلاة..
ذبابة الرمل
الضئيلة الهشة التي تخشى الهواء إذا اشتد، تحتاج إلى أن
تغير على جسد.. ذاك الفأر هناك.. السمين الذي يخطو حذرا إلى جحره.. الذي يفكر دون
شك في ضرورته لدوران الأرض
الفأر السمين
تهوي بشكل عمودي.. تغرز خرطومها عبر الجلد، وتمتص..
تمتص..
الأطفال:
خارج بوابة "القصر" رهط أطفال يلعبون، على
مقربة من نخلات طالعات وعراجين بلح. يجلس أصغرهم على خط التماس ويتابع ركضهم هنا
وهناك دون حماس كبير.. تفترش وجهه المتعب قبيلة ذباب.. هو لا ينش الذباب ولا يرف
له جفن، والذباب لا يفارق وجهه.
يتصايح الآخرون.. يركضون في كل اتجاه، وهو يتابع دون
حماس.. لم يأبه طبعا بتلك الذبابة الضئيلة التي حطت على ذراعه العاري، ونفذت
بخرطومها إلى دمه.
بعد أيام سينتبه الجميع إلى الطفوح والتقرحات التي نهضت
فوق الوجه والذراع، مثل مستوطنات للقبح والسقم..
يحك الطفل جلده
يهرش جلده ويبكي
-
الليشمانيا
سيقول ممرض المستوصف
-
وكلنا الله على الدولة اللي ما
موفراش الدوا بالشكل الكافي.
البرلمان:
برلماني الدائرة الذي صادف وجوده كثرة الحك والهرش
والبكاء، وجه سؤاله إلى وزيرة الصحة بشأن ذبابة الرمل وطفيلي الليشمانيا..
ثم ها الوزيرة تأخذ الميكروفون كي تجيب على السؤال..
الوزيرة الجميلة بنت العز والسلالة المجيدة.. التي أُوكل إليها أمر صحة المواطنين..
تدبير اللقاح والدواء والأسرّة ومستوصفات الجبل والصحراء، كما مصحات العاصمة..
تتحسس الجواب المدبج على الورقة، وتتلعثم في القراءة: الأطفال.. القرى والمداشر
النائية.. الليشمانيا...وعلى غير توقع من أحد.. ضد مجرى السياق وطبائع الأشياء،
تأخذ في الضحك.. تضحك تضحك.. في القهقهة.. الكركرة..يسقط منها السؤال والجواب،
وتستمر في الضحك كما لو أنه مهمتها الأكثر إلحاحا في الحياة.. يضحك الرئيس..
الوزراء الحاضرون.. تضحك الشاشة في أوجه المشاهدين، ويضيع بكاء الأطفال في الضحك
العالي.. يضيع وجه الوطن.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire