dimanche 1 mai 2016



المصاب
ذهول الذباب إزاء                                              


خفضت صوت التلفزيون إلى الدرجة الصفر، أغلقت النوافذ وتمددت دون أن أرفع بقايا الطعام من على المائدة. بعض الذبابات تمرغ خراطيمها في بقع الدسم وأخرى تزن في فضاء الغرفة ممهدة   لنزول قريب.
الذبابات المتهورة.
تحط واحدة على ذراعي، تقرصني، أنشها باليد الأخرى فتقفز في الهواء، تدور بضع دورات حول الرأس، ثم تعود إلى النزول فوق الذراع. نششتها مرة أخرى بحركة تشي بنفاد صبر « حذار، حذار أيتها الذبابة الحمقاء»  فهل أدركت حقيقة نواياي؟ طارت باتجاه السقف واستكانت إلى الشريط الذي علق به مصباح النور. وحطت أخرى على شاشة التلفزيون تحاول  النفاذ إلى الداخل ومحاورة الأجساد الحبيسة هناك والتي تبعث حركاتها الخرساء على السخرية.
ووجدتني أفكر في جميلة : المرأة التي لم تعد ترى من الحياة  غير صورة رجل يودعها واعدا إياها بالرجوع ، أود أن أسألها :« ما الذي يجعل المرأة تنتظر رجلا طول العمر ؟» وكيفما كان جوابها، أباغتها بلطمة عنيفة وأجرجرها باتجاه النافذة :
أمهاتهم بالصخب
انظري، هاهي الحياة دونك تعج بالرجال وقصص الحب والأطفال الذين يملأون حياة -
هل تأسف  - ولو للحظة خاطفة - على سنوات الإنتظار الطويلة أم تشيح بوجهها إلى الجهة الأخرى وترتد إلى قعر البيت شامخة ككل الحزانى المزمنين؟
أحسست بلسعة أعادتني إلى جو الغرفة، الذباب المستأسد وصور التلفزيون الخرساء
كانت هناك ذبابة تشفط دمي على مستوى المنكب وثانية جاثية فوق الركبة ، فيما توزعت الأخريات على المائدة والجدران والسقف، تحوم قليلا وتتبادل المواقع. عن لي أن آتي بمبيد الحشرات وأنهي الأمر ببضع بخات تمرغ في الموت حياتها القصيرة، لكن ذلك بدا لي شبيها باستخدام مسدس كاتم للصوت، بليدا، فاقدا لأية لمسة شخصية ومجردا من المتعة، ثم ما الذي يعنيه الموت بالنسبة لكائنات كالذباب ؟
كنت أريد أن أتسلى. أمنح لتفاهة الذباب معنى، هو الذي لا يملك عطاء النحل ولا مثابرة النمل ولا رد فعل العقرب ولا فاعلية الحرباء ولا دهاء الحيات ولا التماع الحباحب ولا صبر العناكب.
تعيش النملة فرحة بحياتها الموزعة على الطرقات المتربة وتحصيل الغذاء في حركة دائبة لا تفتر، ثم ينبت لها جناحان فتعجز عن الفهم ، تصاب بالغثيان ولا تلبث أن تسقط صريعة الشرط الجديد. لم لا أذيق هذه الذبابات الوقحة، الذبابات القذرة من نفس الكأس؟. هكذا تتبعت واحدة منها كانت تمني النفس بوجبة من دمي. أدنيت منها يدي نصف المضمومة باحتراس، وفي حركة ملولبة سريعة ، وازنة للأبعاد ومعدل حركة الجناحين الهشين، تلقفت الذبابة المقلعة للتو وأحكمت عليها قبضتي .كنت أحس بها رهينة القبضة الضاغطة لاتقوى على الحراك، لاتدرك  الذي حدث  ولا تتوقع خيرا من وضعها ذاك. أخفف الضغط قليلا حذرا من ألا أدع لها فرجة كافية للإنسلال. يرتجف الجسد الضئيل بحثا عن منفذ فأحكم القبضة من جديد. استمررت في لعبة الضغط والإرخاء هذه بشكل يساعد الذبابة حبيسة القبضة على الاندفاع باتجاه السبابة والإبهام. لقطتها في النهاية بالأصبعين، وباليد الأخرى شرعت في تشذيب الزوائد ..نزعت الجناح  الأول ثم الثاني ووضعتها على المائدة كي أتسلى بمراقبتها.
زحفت على أرجلها الدقيقة مسافة قصيرة، ثم همت بإفراد جناحيها للالتحاق بالذبابات الأخريات المحلقة، لكنها جوبهت بفراغ مهول وعجز .تلك الحركة العادية جدا التي ظلت تنجزها طول حياتها (القصيرة) لتجد نفسها في الهواء بسهولة ويسر، كيف لا تستطيعها الآن؟ ماذا حدث يا الله؟ توقفت قليلا تلملم ذهولها، ثم حاولت مرة أخرى وغذت الخطى تقطع تلك المسافة الهائلة الجرداء ، بلغت حافة المائدة فرددتها إلى المركز لتبدأ الزحف من جديد. هل أدركت في النهاية أنها فقدت كلية القدرة على الطيران بفعل تصرف قدري أعمى، واستحالت إلى كائن أرضي؟
اصطدت عشرين ذبابة بنفس الطريقة، وبمتعة متزايدة جردتها جميعا من أجنحتها ووضعتها على المائدة أتفرج عليها تسرح في ذهول .وفي لحظة ما، بدت لي جميلة المعتكفة في بيتها والمتوحدة بحزنها الأبدي، شبيهة إلى حد كبير بهذه الذبابات مقصوصة الأجنحة، فشعرت بحقد غامر اتجاه المدعو مصطفى : لقد قصصت أجنحة ذبابات تافهة بينما تمكن من قص جناحي امرأة

رواية
 ماء الأعماق


.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire