mardi 31 mai 2016


تصريح بالشرف


لأن الأرض تنغل بملايير البشر و تهدر بضجيج لا يحتمل ، و لأن داخلي بركانا لم يقرر أحد بعد - في لحظة إشراق لاذعة - أن يرتمي عبر فوهته تاركا صندليه بالخارج مثل زوج وشاة مجبول على الخسة ، و لأن الشمس تبدو بوجه مكدود معفر بالظلال والعتمات و يبقى هذا الجزء المغبون من العالم مزبلة لنفايات الجبابرة.. لكل ذلك ولأسباب أخرى لا مجال لذكرها الآن، أصرح ، أنا - أحمد بن سيدي محمد بلفقيه الملقب بشارلي- و بشرفي الذي مرغته عن سبق إصرار وترصد، في طمي الآبار الغائرة، أني سوف أقتل المدعو سلام الغالي.
لا لأنه راود أختي في غفلة من حراس العمارة، أو أنه يزعج أحلامي بزمارة سيارته السهرانة، أو بيننا ترة من زمن قديم ..ليست لي أخت تثير بعجيزتها شهوات مرضية، و ليست لي معرفة شخصية بسلام الغالي، لكني أشهد الشمس والظل، وأشهد هذه المزبلة
الكبرى بجرذانها وقططها العجفاء كما أشهد الرائح و الغادي على نيتي الأكيدة بقتله .
و قد أعذر من أنذر.
                                                  

                                                    ماء الأعماق



                                                ماذا يحدث حين تترك فمك مفتوحا أثناء النوم؟









هكذا
انسلت عصفورة إلى فمي
تنقر اللهاة أحيانا أو تنكش جدار الحلق
وأنا لا أقوى على الصياح أو الغناء أو ابتلاع الطعام
صار فمي مجرد عش لعصفورة جريئة ستضع بيضها بعد حين
وكل ما تبقى لي 
أن أتحول إلى شجرة.


lundi 30 mai 2016


عودة



جاء ! 
هو الآن في الساحة التي تتوسط البلدة كقلب كبير، عاريا من المساحيق ووحيدا.. كأنما القلب انقبض عنوة إلى الحد الذي لا يسع سواه. الرجال الذين كانوا هناك يتبادلون القفشات والحكايا، فضوا المجلس على عجل، وتفرقوا في الأنحاء. والنساء اللواتي اشتممن رائحة الخبر، غلّقن الشبابيك، أطفأن الغرف وأصوات الأطفال، وتهيأن للتلصص من كوة ما أو ثقب.
جاء فحسب..
ثم انتصب هناك، وسط البلدة، كفكرة عاقة.. لم يكلم أحدا أو يكلمه أحد.. لم يوجه أصبع إدانة أو نظرة تحتمل الضغينة. فضوا المجلس، وهرعوا إلى دورهم خجلين مرتبكين وحيارى.. يمررون شريط الذكرى، ويسألون عن الخطإ المفترض، متى وقع.
جاء..
ولم يزد على أنه جاء..
لكن البلدة ارتاعت.. صارت نهبا للسؤال واللايقين والبلبلة:
-         غير ممكن
-         مستحيل

-         لقد أعدمناه !



jeudi 26 mai 2016

المقامر




أنا: ولدت كي أكون مقامرا ..دمي خاثر وعيناي لا تخشيان النور..تهت طويلا بين رياح الفقد والمغانم المنتظرة, والآن..علي أن أتوجه نحو الهاوية بعينين مفتوحتين.
- هيا أيها الخاملان أفيقا.
صاح بابنيه لإيقاظهما, فيما هما يدمدمان بأنصاف كلمات نازحة من مناطق للظل ورفيف أجنحة هائمة في أحياز الملكوت, ثم.. فركا أعينهما وهبا واقفين.
خرجوا.
عبروا أزقة وشوارع مغمورة بضباب ندي..أزقة متعرجة ومتشابهة, وشوارع دون اسم..عبروها دون أن ينظروا إلى الخلف, وحيدين وصامتين وعصيين على الإنكشاف, كما لو كانوا مجرد انعكاسات لأجسادهم التي بقيت هناك تتقلب بين أصابع الحلم ..ماضين بهمة باتجاه السقف..سقف المدينة, حيث الحافة التي تقبع هناك منذ مئات السنين لرصد توجعات الريح وبوح العناصر. بدت هائلة وخرافية..كأنما هي الحافة الأولى التي رعى هابيل فوقها قطعان الضأن, قبل أن تنسل فلول البشرية من خلل رشحاتها, سلالة إثر الأخرى , وبعدها..يمتد الخلاء الشاسع متطاولا باتجاه الشرق , حيث تتحد آخر زهرة برية بتعريشة متخيلة في سماء مغموسة في حبر العتمات.
نزلوا عبر المنحدر مسلكا وعرا ومفروشا بالأحجار التي ما إن تلامسها الأقدام حتى تتهاوى في حركة متهورة وصاخبة باتجاه القعر.ولو أن الأب استدار في لحظة مباغتة وتفرس في ابنيه, للمح تلك الهالة من الفزع التي مطت حدقاتهما وشدت الأنفاس الى سؤال الكينونة الأول.
لماذا يتوجب على الأبناء أن يثقوا في آبائهم؟
لماذا لم يرتابا في شئ, حين أيقظهما في ذلك الغبش المورد بالعتمات وقال : اتبعاني , فتبعاه طائعين مطمئنين؟..حين قال لهما: ودعا أمكما وأشياءكما الصغيرة ,فاكتفيا ببحلقة متسائلة وخاطفة, ثم أومآ له بأنهما مستعدان؟

"لقد ضغط الزر, ولا شئ بإمكانه أن يوقف الهول الآتي."

كانوا قد بلغوا السفح..وطأوا الأرض المستوية , وشرعت خيوط النور تتدلى من البكرات اللامرئية المبثوثة في الفضاء , فأحس الإبنان ببعض الارتياح, وجعلا يتحركان بخفة ملحوظة مثل جديين أرعنين تاها عن القطيع, ثم ارتكنا الى النسيان.
أراضي شاسعة , وهواء محمل بروائح النباتات البرية ..نظرات ملتبسة وفجر في طور الولادة.
توقف فوق بقعة غير مزروعة , دقها بقدمه, ثم انحنى وأخذ حفنة تراب: "هذه الأرض رخوة ومطواعة مثل جدائل الحرير, هذه الأرض مناسبة." استل من خرج آنية بلاستيكية محكمة الإغلاق وصحنا وقنينة صغيرة وكاغدا ملموما ومنديلا..حط الكل على بساط الزعفران, وحدق في الأفق المختلج بأفكار شريرة.
"كان علي أن آتي بهما إلى هنا كي أقطع آخر شعرة تصلني بالأشياء والناس , وتدنو حياتي من نقطة الإكتمال."
عاش حياة مترعة بالترقب, عرف إشراقات حظ نادرة وعانى إفلاسات دون حد..لكنه ظل في أحلك الظروف يبتسم ابتساماته الملغزة , ويقول:" من ولد مثلي بدم أزرق لا يخشى الأنيميا", ثم ينصرف بخطوات ثابتة.والآن..
الآن, عليه أن يكابد التوجه نحو الهاوية بعينين مفتوحتين.
فتح آنية البلاستيك, وصب البيصارة في الصحن..سكب عليها زيت الزيتون من القنينة الصغيرة, وذرى فوقها بعض الكامون والفلفل الحار..أخرج من المنديل خبزا, ودعاهما الى الأكل, ثم انتحى جانبا, واستل من الظلال رفشا وفأسا.هوى بالضربة الأولى فأحدث شرخا عميقا في التربة الرخوة , سمع غرغرة مكتومة في الأحشاء الدافئة, وجهة الشرق تفتقت السماء عن صفرة داكنة تمهيدا لبزوغ الشمس, وغير بعيد, اصطفقت أجنحة لطيور الصباح.
الطفلان راكعان فوق الصحن.
ضربات الفأس تزداد احتدادا والحفرة تزداد عمقا.
تجشآ وحمدا الله.
- هل شبعتما؟
سأل دون أن ينظر اتجاههما أو ينتظر الرد.
- والآن , ستريانني شطارتكما : أخرجا كراتكما الزجاجية والعبا أمامي, لكن انتبها, العبا بأقصى ما يمكن من التركيز , وليلعب كل منكما من أجل الفوز كما لو أن حياته تتوقف على ذلك.

"لا شئ يمكن أن يوقف الهول الآتي."

شبكة من الأعصاب.
شبكة هائلة من الأعصاب الموتورة , وغليان على تخوم الإنفجار..العالم لاشئ خارج اللعبة , حدي الربح والخسارة ..شبكة من الأعصاب المحترقة..صمت مترقب , متخم بعواء الغابات..ثم تعلم أن يكون أكثر هدوءا وحيادية, أن يعشق اللعبة لذاتها, كرهان محض مجرد عن أي اعتبار آخر, لأن المقامر الحق  "لا ينطلق من مبدإ أنه قد يخسر كل شئ, بل من مبدإ أنه لا يملك أي شئ." وفي هذه الحالة ما الذي سيخسره؟ البيت, المتاع, الزوجة؟؟
قامر بها ذات يوم.
يوم بارد بشكل استثنائي ..امتلأت فيه القاعة بالكنزات الصوفية والقبعات, وقفازات عديدة بدت له كلما خسر رهانا مثل قفازات ملاكمين يتحرشون بالضربة القاضية .ثم بدا أنه خسر كل شئ ..بدا ذلك من نظرات الخصوم, من الإشارات المنتشية وطرقعات الأصابع.
- لقد انتهيت
صاحوا بلهجة ظافرة..ترقبوا أن يخلي المقعد, وينسحب في انكسار ..لكنهم لا يعرفونه جيدا: دمه الأزرق الفضي ولياليه المسهدة, حيث استنطق الأبراج ومرايا الكون , وطوح بنداءات النفس الى الصحاري البعيدة.
ما يزال لدي ما أقامر به: زوجتي.
وشرعا يلعبان, بعد أن اتفقا على قواعد اللعب وعدد الأدوار..تدحرجت الكرات الزجاجية على الأرض ..تحاورت الأصابع واحتقنت الأوردة: "العبا بأقصى ما يمكن من التركيز, كما لو أن حياتكما تتوقف على ذلك"..تصادما وتناطحا , وحدج أحدهما الآخر في حقد.
قال: زوجتي.
وسمعها تقول له: ستقامر بنا في يوم من الأيام.
غمغم: أبشري فقد تحققت نبوءتك, وربما أصبحت بعد لحظة سبية لأحد هؤلاء..مسحهم بنظرات فارغة وفكر في البرد " ستكون الجبال مثقلة بالثلج" ثم ركز بصره على القفازات ولم يفكر في شئ.
كان الوقت ليلا حين عاد الى البيت ..أحس بانجذاب مفاجئ الى المرأة التي تنتظره هناك ..رأى الآخر يشدها بوثاق ويسحبها وراءه, رآه يطوح بها فوق سرير ما, ينتر ملابسها ويعتلي الجسد, يعركه يعجنه يدخله, الجسد الذي فاز به في يوم شديد البرودة..حضنها بنظرة حانية ومقت نفسه.." كدت أفقدك, لكن الحظ شاء العكس" رنا اليها في ود, ثم...
- هل العشاء جاهز؟
كي يغلف اللحظة بالزجاج وينكر انشداده.
ظل يحملق في الفراغ ..رأى مرايا عديدة, ونتفا لأوجه مجهولة , دخل دروبا ومتاهات, وأزمنة متداخلة وملتبسة, بحثا عن صورته المثلى: المقامر الذي لا يضاهى, الذي لا يملك شيئا ولا يتعلق بأحد.
نحى الإبن الفائز جانبا, وشد الخاسر من كتفه:
- انظر حواليك جيدا, الى شقشقة الصبح والأزهار المغسولة بالندى , التحليقات الأولى لطيور مترعة بالدهشة, الشمس الصقيلة وكتاب السماء.. انظر الى كل هذه الأشياء واستبطنها بعمق : لقد خسرتها بخسرانك الدور.
فلماذا يثق الأبناء في آبائهم؟
لماذا لم تثر في داخله الرياح العاتية, رياح الشك والعصيان, ويستحيل الى قط متنمربمخالب لا ترحم؟ اكتفى ببحلقة بلهاء متسائلة, وتبعه طائعا الى الحفرة المعدة لاحتضانه..فقط حين طفق يهيل عليه التراب, أدرك ما يحصل له(بشكل ملتبس) فارتاع.
- ماذا تفعل بي يا أبي؟
وعوى.
"لكن من يوقف الهول الذي حل؟"



                                       الاقامة في العلبة

mercredi 25 mai 2016




هذا المساء






ستأتي امرأة هذا المساء
وتبدأ في التبرم من حياة مضنية
سأدعها تحكي آلامها حتى آخر قطرة..ثم أسخر منها طبعا، كأن أقول لها:
- خذي ردفيك بعيدا عن أريكتي..
هل تفطن آنذاك إلى أن بي جلطة في الروح
أني ميت منذ فترة بعيدة
وتطلق على ما تبقى مني رصاصة الرحمة؟






mardi 24 mai 2016



أنا فريدريش ماور
أريد...




فتح الباب فبادره القادم من بعيد:
- هل أنت المدعو فريدريش ماور..ناشر ذاك الإعلان على النت؟
جلسا تحت إضاءة خافتة..
ولم يكونا في حاجة إلى كلام.
بعد فترة تشبع كافية..سيسلم القادم من بعيد زمامه لمضيفه..يترك له أن يحكم وثاقه, وينتر نسيرة لحم من فخذه الحي..يشويها أمام عينيه الفضوليتين, ويشرع في قضمها بلذة غير مسبوقة..يقطع الفخذ الثانية, ثم الذراعين..وقبل إسلام الروح, يرنو القادم من بعيد إلى مشرّحه الجميل تعبيرا عن ود وامتنان عميقين..
" أنا فريدريش ماور..أريد أن آكل شخصا..
وعلى من يهمه الأمر الاتصال بالرقم.."
وإذا كانت مدرسة التنداي, تلك الفرقة البوذية اليابانية تعتبر أن "الواقع واحد غير أنه يمكن معرفة هذا الواحد بثلاثة آلاف من تجلياته" فلربما اعتبر الجميع ذلك الإعلان مجرد دعابة, باستثناء ذلك القادم من بعيد الذي رأى فيه واحدا من الثلاثة آلاف تجلٍّ للحب.






                                              الرقص تحت المطر

samedi 21 mai 2016

 "بيسوا" والآخرون





سيكون مريحا الزعم بأن الأسماء المختلفة التي وقع بها "فرناندو بيسوا" أعماله هي أسماء مستعارة
لكن بالأناة المطلوبة في تتبع الحالات الشائكة، يتضح أنها أسماء أشخاص حقيقيين، تمتعوا بوجود مادي، وتقاطعت حيواتهم في فترة أو أخرى بحياة الشاعر، فتساكنوا نفس الجسد.
يتم التساكن بداية بشكل طريف ومشجع
لكن بيسوا بالقلق الذي يميز المبدعين في العادة، سرعان ما يمل وضعية التجاذب تلك، ويحن إلى جسد لا يتنازعه فيه أحد
ولبلوغ ذلك
يضطر إلى تقديم رشوة للطرف الآخر:
يهديه عملا من أعماله، ينشره باسمه فيعرف به.
للتأكد
يكفي إجراء دراسة مسحية لمقابر البرتغال، حيث القبور المتفرقة لكل من ألبرتو كايرو، برناردو شواريس، ريكاردو رييس، ألفارو دي كامبوس.. وفرناندو بيسوا، طبعا.



vendredi 20 mai 2016

 دوران الأرض







فيما قبل..
كانت الأرض مسطحة
وكان من يود أن ينتحر يرحل حتى حافتها القصية، ويلقي بنفسه في المهوى السحيق.
في العام 1510، أنكرت فتاة جميلة الحياة الكنسية، وشدت الرحال إلى حافة الأرض
كانت جميلة جدا
ورقيقة جدا، بحيث أن الكائنات جميعا أشفقت على رحلتها تلك
وشغفت بها الأرض أيضا
فالتفّت على نفسها، وجعلت تدور تدور، كي لا تصل الفتاة أبدا إلى حافتها.
كان ذلك فرصة تاريخية كي يخرج إلى العالم شخص اسمه كوبرنيك



jeudi 19 mai 2016



النار.. النار


"يا روح قوة النار
 اسمعي صوتي:
ثمة إنسان يحرضك
دون خوف  "

من أغنية لشعب البانتو





لست مكتئبا
عدت للتو من المكتبة حيث تركت قبل شهر، عشر نسخ من ديواني الأخير..
كانت المقاهي غاصة بالأجساد.. الأعين معلقة إلى الشاشات بحيث لا تفلت أية ركلة أو مراوغة أو هدف، والحناجر تتقصف بالآهات والهتاف والشتيمة.
وخارج المقاهي
في الشوارع والحقول والبيوت والحانات والمعامل والقطارات والشركات... نفس السحنات المشدودة إلى رائحة الخبز والإسمنت والأرداف والفلوس والغد الذي لا يطمئن إليه أحد.
لا كتاب في الأفق
وليس ما بي اكتئابا..
بل سخط لا يحتمل.
عدت للتو من المكتبة بالنسخ العشر التي تركت قبل شهر.. لم يعد الشعر ضرورة (يا ارنست فيشر).. لم يعد لوجودي معنى، فدعوني أيها المتلصصون.. دعوني أخطو سريعا نحو الموت.

**********

الحزام مشدود إلى الخصر.. القنينة تحت الجاكيت، وعلبة السجائر والولاعة في الجيب..
جهز نفسه جيدا.. وخرج.
صادف متسولا وعاهرة وماسح أحذية ومقدم حي ومجموعة شبان ساخطين وزوجين ينتميان إلى القرن الأول.. ولم يجد في كل ذلك ما يغريه بالبقاء.
لم يقبّل ابنه
ولم يخبر زوجته بشيئ..
أوصى بهما نجمة هاربة ليلة أمس، ودبج قصيدة أخيرة بدت له (ضدا على أي توقع) أنشودة للفرح ( فرح غير مبرر طبعا كما لو أنه نازح من زمن مضى أو زمن سيأتي)
كانت قصيدة عن الموت
جدارية للقاء الشاعر بالمواطن العادي.. خليل حاوي بالبوعزيزي.. لقاء اللحظة الأخيرة قبل القفز إلى نهر الأبدية.
أسمى القصيدة "حياة"
علقها على الحائط كوعد شعري وملغوم للعالم..
وجهز نفسه جيدا للخروج..
لم يقبل ابنه
ولم يربت على كتف زوجته أو يغرق في عينيها عينيه خشية أن تتدلى إلى الداخل العميق وتنكش السخط المتفاقم كريش أزرق.
الآن..
وهو يرى المتسول والعاهرة وماسح الأحذية ومقدم الحي والشبان الساخطين والزوجين المنتميين إلى القرن الأول والظلال الأخرى للمواطنين المهدودين، تحسس القنينة الهاجعة تحت الجاكيت، وداخله اعتقاد بأن هؤلاء جميعا يحملون –مثله- قنينة تحت الثياب وولاعة مخبوءة.

( لو نتفق على لحظة واحدة
لحظة واحدة للاشتعال، فتصّاعد النيران ورائحة اللحم الآدمي إلى السماء السابعة كسيمفونية حمراء جميلة وملهمة.)

توسط الساحة الصغيرة بمحاذاة النافورة (التي جفت منذ زمن ولم تعد نافورة إلا عرفا).. خلع الجاكيت، فبدا الحزام الذي يشد الوسط مزدانا بدواوينه الشعرية.. طبطب عليها فيما يشبه الإعتذار وقال:
-         علي وعلى شعري.
سكب البنزين وقدح الولاعة..
وفيما كان يجهش بالموت الأليم وسط الفزع والذهول والصيحات مقصومة الظهر، استحضر بعضا من قصيدة الأمس:

( ما الذي حكاه البوعزيزي للنار حين شبت في الجسد؟
ما الذي حكته له
قبل أن ينأى بنفسه بعيدا
كي يتوسد ملح البلد؟)

اضطجع بعدها على الأرض، وتكوم في وضع الجنين، حتى لم يعد يعرف إن
كان يولد أو يموت.


mardi 17 mai 2016

أنيكو تو ستوما مو ، أو ما يقابله في العربية أفتح فمي ، هي أغنية يونانية قديمة من كلمات الشاعر اليوناني الحائز على جائزة نوبل ادويسو إليتيس





كالنفخ في الروح



ذلك الهاجع هناك
حين تجردت من ملابسها، وأقبلت على السرير
تلجلج داخله شيء كالنداء
و انفتحت لناظره سماء جديدة
 وغابة بلون الأقحوان
ذلك الذي كان هاجعا حتى الآن
النمر الذي بطحنه يد الصانع على الشرشف
و أهدته، دون رحمة

إلى سطوة الجسد

البقالي يقحم العقل والحجة في مسار سردي غرائبي ليعالج بقصصه القصيرة جدا قضايا الإنسان



                   قط شرودنجر' زواج فني بين ذكاء العلم وجمال الأدب
                                   الروائي والقاص حسن البقالي يقول إن أول قصيدة في التاريخ هي قصيدة آدم التي رثى بها هابيل.
                           العرب سعيد السوقايلي [نُشر في 25/10/2014، العدد: 9718، ص(17)]



الدار البيضاء - السرد والحجاج (من حجة ومحاججة) خطابان لا يلتقيان، إذ لكل منهما آلياته 

وأهدافه، قلما نجد مغامرة إبداعية تزاوج بين جمالية التخييل وعقلانية المنطق الحجاجي، مثلما لامسها حسن البقالي في مجموعته الأخيرة ” قط شرودنجر” (2014)، حيث ضمنها 76 قصة قصيرة جدا.

يفتتح القاص أولى قصصه بقصة عنوانها “الجد الأول في شجرة الأنساب” كمفتتح تعريفه بهوية هذا الجنس السردي القصير جدا، حيث دأب على ذلك في جل أعماله السابقة، هنا بحث عن مسوغ أنتروبولوجي لساني اعتبره إرهاصا لميلاد كل المحكيات على اختلاف قاماتها، عزاه إلى البدايات الأولى للإنسان القديم حين “حك شخص -به بعض نباهة- صدغه، وألقى للآخرين بالكلمات التالية: قبل غروب واحد… الطريدة وأنا…”.
ورطة جمالية
يتدرج حسن البقالي عبر هذا المسرب السردي بكل مكوناته من شخوص وأزمنة وأمكنة، وما صاحبها من تقنيات قصصية، متوسلا أيضا بتراتبية الأحداث والأدلة ببعدها الحجاجي، كما لو أنه يحبك مقدمات سليمة من أجل الوصول إلى نتائج صحيحة، ليعلن على أن ذلك كله كان “الخطوة التي ستمهد لحديث المجالس، وكائنات الخرافة والملاحم وروايات الباروك وتشيخوف ومونتيروسو..”.
ولأن منطق الحجاج يستدعي مناقشة الظواهر بأسلوب تحليلي وعملي، لا يخلو من حجج علمية قاطعة تخاطب العقل، فإن البقالي استطاع أن يزج بقارئ قصة “دوران الأرض” في متاهة تبرير متخيل، يكاد يعصف بتلك القناعة الفيزيائية التي يشي بها هذا العنوان، نجد أنفسنا في ورطة جمالية السرد التخييلي، وهو يفسر سرديا وحجاجيا سبب دوران الأرض بعد أن كانت مسطحة في العرف الكنسي، وفي الوعي الجماهيري، حين عزمت فتاة على الانتحار لتقرر الرحيل حتى حافة الأرض وتلقي بنفسها مثلما كان سائدا لدى الوعي الجمعي، ونظرا إلى جمالها ورقتها، فقد أشفقت عليها كل الكائنات بما فيها الأرض التي “التفت على نفسها، وجعلت تدور تدور، كي لا تصل الفتاة أبدا إلى حافتها”.
أحداث تراتبية محشوة بأدلة ببعدها الحجاجي، كما لو أنها تحبك مقدمات سليمة من أجل الوصول إلى نتائج صحيحة
جماليا تبدو الحكاية منطقية بقوة العقد الأدبي الذي أبرمه القاص مع قارئه، وطبقا لتاريخ العلم الإبستيمولوجي، تنتهي هذه القصة/ الواقعة العلمية بنتيجة صحيحة العواقب، خاصة إذا تساءلنا: ربما يكون الأمر مقبولا، ولو على سبيل المتعة الأدبية، أنه “كان ذلك فرصة تاريخية كي يخرج إلى العالم شخص اسمه كوبرنيك”، والبقية تعرفونها.
في جانب آخر، يبدو مشوقا، حين تصبح القصة مقالة، هذه المرة نسميها مقالة أدبية، لأنها تعالج ظاهرة أدبية تخص أحد رموز الأدب العالمي، إنه البرتغالي فيرناندو بيسوا، كشخصية رئيسية في قصة “بيسوا والآخرون”، سعى من خلالها القاص إلى الكشف عن ملابسة توقيعه لأعماله بأكثر من اسم مستعار، وهي الفرضية التي استهل بها البقالي قصته كمقدمة متعارف عليها أدبيا ونقديا “سيكون مريحا الزعم بأن الأسماء المختلفة التي وقع بها فيرناندو بيسوا أعماله هي أسماء مستعارة”، إلا أنه وعبر سردية الأحداث، إن لم نقل المعطيات الواقعية، التي عاينها النقاد لهذا الكاتب، يحاججها بإعمال العقل ليخلص إلى أنها أسماء لأشخاص حقيقيين تمتعوا بوجود مادي، وبقبور حقيقية متفرقة في خريطة البرتغال، دليله الطريف جماليا وحجاجيا أيضا في قوله: “لكن بيسوا بالقلق الذي يميز المبدعين في العادة، سرعان ما يمل وضعية التجاذب تلك (حين حلت تلك الأجساد في جسد بيسوا)، ويحن إلى جسد لا يتنازعه فيه أحد، ولبلوغ ذلك، يضطر إلى تقديم رشوة للطرف الآخر، يهديه عملا من أعماله، ينشره باسمه فيعرف به”، وتلك حجة تعكس جنون العظماء في عدم قبولهم لحياة واحدة، ولتجربة وجودية واحدة، لذلك عاش بيسوا حيوات عدة وبأسماء مستعارة، فهو ألبرتو كاييرو، وبرناردو شواريس، وريكاردو رييس، وألفارو دي كامبوس.
الذكاء والجمال
يتواصل المنطق الحجاجي في هذا السرد بقصة “منطق”، وتلك موضوعة فارقة تؤازر ما نصبو إليه هنا، فبنفس النهج السردي تقويما وتحليلا واستنتاجا، يسرد ويحاجج من أجل أن يوضح بأن أصل الشعر هو الفجيعة، ونفسها هي نهاية الحكاية حيث أن الإبداع رديف كل مأساة إنسانية، يقول: “يحكي بعض الثقات، أن أول قصيدة في تاريخ البشرية هي قصيدة آدم في رثاء ابنه هابيل. هكذا يبدو أن الفجيعة تلد الشعر، بينما هي متمم الحكاية، ويتضح، بتتبع الخيط الرفيع للاستدلال، الباعث الأساسي لكتابتي القصة: أن أكون أولا، ثم يأتي الشاعر”، بيد أنه إذا تعمقنا في أطروحته، نجده ينسج نظرية مفادها أن أصل الكتابة حكي وبعده يأتي كل شاعر، ليرد على كل قول يدعي أن كل أمة ولدت شاعرة.
المجموعة عينة سردية بمذاق الحجاج، تراهن على قدرة القصة القصيرة جدا على احتضان أي خطاب مهما كان منطقيا
في نفس السياق، ودون أن نغفل قصة ” قط شرودنجر” التي بفعلها تسيد عنوانها المجموعةَ، يواصل هذه المرة سرديته الحجاجية، لكن بمنطق رياضي، حيث يسقط نظرية شرودنجر على الحالة الإنسانية العارضة في القصة، وهذه النظرية تعود إلى الفيزيائي النمساوي “أرفين شرودنجر” في عشرينات القرن الماضي، وتصف هذه المعادلة، بشكل مختزل، كيفية تغير الحالة الكمية لنظام فيزيائي مع الزمن، أي أنها تصف الحالات المستقرة لدالة موجبة، وكيف تتغير مع الزمن، أي توافق طاقة الحركة للجسيم مع الطاقة الكامنة للجسيم مثلما في نواة الذرة، بمعنى اعتمادها على الزمن وعلى المكان، وذلك ما انطبق على الحالة النفسية لشخصية القصة باعتبارها داخل سجن، وذلك ما فعله شرودنجر حين حبس قطا داخل صندوق مزود بغطاء ورفقته عداد غايفر القادر على طرق مطرقة تكسر زجاجة بها مادة قاتلة بمجرد تحلل ذرة واحدة فقط، لتضع القط أمام احتمالين متماثلين، إما الحياة أو الموت. بهذه الإحالة والتناص مع النظرية الفيزيائية، التي ذكرناها وعرفناها بخاصيتها، يمكننا الآن معرفة الحالة التي عالجها القاص مع سجين القصة، الرافض للرضوخ مقابل عناد السجانين لكسر ثباته بعزله وتجويعه، وهكذا نجد القصة تعالج بشكل رياضي النهاية المحتملة، وذلك لكون “المنطق الرياضي يقرّ بالموت والحياة كلتيهما كاحتمالين واردين، في ظل التزامن.. وفي غياب أية مبادرة.. سيبقى السجين بطبيعة الحالة حيا/ ميتا في نفس الآن.. تماما كقط شرودنجر”.
مجموعة “قط شرودنجر” عينة سردية بمذاق الحجاج، تنضاف إلى السرد المغربي القصير جدا، وتراهن أولا على قدرة القصة القصيرة جدا على احتضان أي خطاب مهما كان منطقيا، وثانيا فتحها لكوة تضيء بؤر الخلل داخل الواقع وفي الوعي بنفَس تغييري، يروم إحداث قطيعة مع التمثـــلات الخاطئة لهكذا تصور، لكنها في المقــــابل تشكل زواجا فنيا عصيا بين ذكــاء العلم وجمال الأدب، تماما كما أسس له العالم والفيـــلسوف غاســتون باشلار صديق الأدباء.


lundi 16 mai 2016

                                                        عصافير و قتلة      

إلى اطفال الحجارة.                             
  


 يتكرر دائما نفس المشهد: يحط العصفور ثم يتهاوى و عندما انحني عليه لأتأكد من موته و أرى دمه و الثقب الذي أحدثه الحجر تمتد الأمواج أمامي صاخبة  سوداء و تبتلع الأرض أرضا لا تنبت سوى الأطايب و الأفراس الجامحة أسميها أمي و تلقبها الجارات بالأم الحزينة.
   عندما يزرنها اتسلل انا من الغرفة و أقصد الشجرة الوحيدة التي بقيت في الحديقة، شجرة الزيتون العجوز الواقفة في مهب الريح. يحطن بها كل مرة و يجهدن أنفسهن كي يواسينها فيما تبقى هي في سهومها الأخرس مثل خريف دائم مثقل بالوحشة.
     - هوني عليك يا أم محمد.
     -  حرام ما تفعلينه بنفسك
و لا ترد إلا حين يقلن لها :                                                                                     
- كل الأطفال اغرموا يوما بقتل العصافير.                                                                           
  عندها تنتفض مثل لبؤة مهددة في شبلها و تقول: لا                                                                 ولدي ليس ككل الأطفال.
 و أفكر لحظتها في الشيء الذي يميزني عنهم ، فكلنا نذهب إلى المدرسة و نلعب الكرة و نشاكس الكبار و ربما لا أبزهم   إلا في عدد  العصافير التي قطفت، لكن هذا بالذات ما يؤلم أمي و يثير غضبها علي. أفكر أحيانا- و خصوصا عندما أرفع عيني و أرى تنهيدتها الكالحة التي تنشر ظلها في جو الغرفة- أفكر في أنني طفل عاق لم يجلب لأمه سوى الحزن و المتاعب ، لحظتها لأفكر صادقا في الإقلاع عن عادتي السيئة أقول للأطفال : هيا نلعب الكرة و عندما يرتفع صياحنا و يحتدم التسابق نحو الهدف أشعر بسخافة هذه اللعبة و يسكنني ضجر مميت أقترح أن نشاكس العم محبوب الذي يتقبل شيطنتنا بصدره الرحب و لا ينزعج منا أبدا لكني ما البث أن أضجر مرة أخرى و يدخلني حنين قاس إلى الهواية التي تشكل بالنسبة إلي تلك المتعة التي لا تحد. و عندما أعود إلى المنزل مساء يكفي ان تلقي أمي علي نظرة خاطفة لتدرك أن عصفورا آخر انضاف إلى قائمة قتلاي، فتسرح تنهيدتها في فضاء الغرفة و أرى أمواج الحزن تغسلها انكمش في ركن و تنتابني حالة كالبكاء أو كدكنة الخريف ثم يحط  الليل فجأة و ينضاف إلى الليل الآخر الذي يسكننا.
 و لقد تكرر هذا المشهد كثيرا وربما كان سيستمر إلى أمد طويل لولا أني رأيتهم ذلك اليوم فتغير كل شيء.
و لم يخب ظنها.
تأكدت من أنها لم تخلف الخلاء و لشدما فرحت عندما قال لها ذلك أدركت أنه لم يعد طفلا أو بالأحرى صار طفلا حقيقيا على الصورة التي كانت ترجوها وقفته، البسمة الناضجة المؤتلقة على وجهه و المضاء الطافر من العينين، تفرست يديه و شكرت الرب: لن تخضبا بعد بدم عصفور. هو قال لها ذلك و صدقته  " سامحيني يا أمي لم أجلب لك سوى الحزن و المتاعب" و هي لم تغضب يوما لتسامحه الآن " لن أقتل عصفورا بعد اليوم" و هذا رجاؤها، لها أن تسعد لها أن تزغرد حتى تسمع كل الجارات  يا سكينة يا أم خالد و أنت يا رتيبة اقبلن لكن البشرى و لم يصدقن آذانهن: أم محمد تزغرد؟ و إذ هرولن اليها لقيتهن كلماتها المفعمة بالفخر و الفرح: ألم أقل لكن إن ابني ليس ككل الأطفال. و أحطن بها مشجعات ة مباركات:
-هكذا يا أم محمد، اضحكي زغردي.
-انسي الهم قليلا
و انطلقن يسألنها و يحفزن الفرح الذي كاد ينطفئ في الأحشاء و كنت عند الزيتونة احضنها و اهيئ نفسي لزمن يأتي قريبا
إسمك : محمد قاسم الباز
سنك: خمسة عشر عاما
بلدتك: فلسطين
سلاحك: الحجارة
من أوحى لك به: الأرض
من يحرضك: الأرض
ماذا تريد الأرض
و كانت ساحرة غناء، بقعة للخصب و انتعاش الروح ناغلة بالعصافير و الفراشات الملونة. كنت سرحت مطاردا العصافير حتى وصلت هناك و كانت فرحتي لا تطاق: سأسقط عشرات الطيور و أؤكد للآخرين أنني الأفضل بدون منازع و أمي؟ لأول مرة تشتعل نظرتها بيني و بين الرمية، في مثل هذه اللحظات أنساها و أنسى الحزن  و الليل و كل شيء. للعصفور وحده الحضور المشع إغراء. كان على غصن مائل قريب و في اللحظة التي اهتز الغصن قليلا و ترك للشمس فسحة تنساح منها و تقبل الأرض ارتعشت يدي المرفوعة و أبطأ الحجر في الانطلاق كانت هناك عينان تتفرسان في حزينتان و مشعتان  غمغمت : أمي و أبطأ الحجر في الانطلاق و انطلقت الرصاصات و أسراب الموت.
عندما عاد |ذلك اليوم تذكرت أباه لأول مرة أراه فيه راجفا و عيناه مسكونتان بشيء كالرعب، كالدم، أو كموجة تتجمع في القعر متأهبة للصعود قال " رأيتهم يا أمي" و ابتلع غصة أليمة، شعرت أنه صار اللحظة طفلا حقيقيا و أنه لن يقتل عصفورا  "هم قتلوا العصافير و قتلوه " قال و ارتجف بين يدي ضممته و باركت الأفكار التي تضطرم داخله و عرفت أني لم أخلف الخلاء، عندما قبلت أباه للمرة الأخيرة رفع إلي عينيه و قال :" ابني هو الأمانة الوحيدة عندك هو استمراري و استمرار النار ربيه على الاشتعال" نظر إلى الأفق مليا ثم ابتسم و قال كأنما يحدث نفسه:" لا لم تقتلوني أيها القتلة" و بعدما نام على كتفي و بكيت..بكاء لوعة و فرح.لي الآن أيضا أن أفرح و أقبل الأرض أنا التي لم تخلف الخلاء.
إسمك : محمد قاسم الباز
سنك: خمسة عشر عاما
سلاحك: الحجارة
من أوحى لك به: الأرض
من يحرضك: الأرض
ماذا تريد: الأرض
أرض الشهادة . دمه الذي ساح، انثال مثل رشاش و عسل جذع الشجرة أنا لا أذكر أبي و لقد رايته ذلك اليوم عندما رأيت العينين غمغمت: أمي ثم أدركت أنهما عينا رجل، رجل جريح لن يكون سوى أبي. لحظتها بدت أجسامهم المقيتة و أزت رصاصتهم و ضحكات و عصافير  و رجل وموت.سقط الرجل و سقطت عشرات العصافير المذبوحة اندغم الدم بالدم، الدم بالدمع ألدمع بالضحكات. و كان ذلك فظيعا ،كان كريها كانوا حيوانات متوحشة كريهة ارتوت دما ثم مضت تهرس العواد في طريقها و تخنق الأعشاب خضبت وجهي بدم العصافير و دم الرجل و بكيت و قلت لن أقتل عصفورا بعد اليوم  .سأقتل قاتلي العصافير.
 وقلت لهم هيا نلعب
قالوا الكرة ؟
 قلت : لا
 قالوا نشاكس العم محبوب ؟
 قلت : لا نظروا إلى بعضهم البعض و أصاخوا السمع.
 و كانت الدورية عند الجسر.
عند أقدام الأشجار التي اصطفت جنب الطريق و انحنت قليلا في محاولة لتقبيل الساقية. هناك اغتيل ابو علي برصاصة في الظهر و هناك اشتبك معهم عبد الرحمان بالسلاح الأبيض و استشهد بعد ان جندل منهم اثنين و جرح الثالث.
 جسر للشهادة و الانفتاح على الشمس.
و في هذه الصبيحة كانت الأرض تنصت لنبضها. وحده وقع الأقدام الغليظة يكدر الصفو. سرب صغير لعصافير كانت تحلم تشتت موصوصا و حلق في كل اتجاه و بدا ماء الساقية أكثر صخبا و اندفاعا. كنا وراء الأشجار نرقبهم و نرقب اللحظة المناسبة ، تقترب الدورية و تنطلق النظرات المقيتة في اتجاهنا تتسلق الجذوع مثل الأفاعي و تخدش الأرض.تتقلص أجسادنا الصغيرة خلف الجذوع و تتوتر مثل سهام تستعد للإبحار. لن أقتل عصفورا بعد يا أمي، هم الذين يقتلونها، يرعبونها ويضحكون، هم الذين ينشرون الظلام  و يريقون الدماء، لكنا هنا رجالا مذ ولدنا و للأعداء حجارتنا و انفتح الجسر دربا ابيض لأسراب العصافير. اسمك : محمد قاسم الباز
سنك: خمسة عشر عاما
بلدتك: فلسطين
سلاحك: الحجارة
من أوحى لك به: الأرض
من يحرضك: الأرض
ماذا تريد الأرض

الأرض الأرض الأرض الأرض الأرض الأرض- قبلت الأرض و عفرت  وجهي بترابها و قلت للجارات : زغردن أنا التي لم تخلف الخلاء.


سبعة أجراس