تحادثني الأرض
ذات يوم قلت للأرض: كوني فرسا ألجمها حين أريد وأنخسها
بالمهماز فتعدو خببا..التفتت نحوي, بدت النظرة تحوي لبسا فاحما وبعض ضغينة, ثم
استأنفت رحلتها عبر مدار الأفلاك وكادت تسقطني. ضرعت إلى القمر ينأى لبعض
مسافة تكفي لأن ترمي البحار حمولتها فوق شواطئ مهجورة وصخور عائمة في النسيان.
وحدثت نجمات عن براغمتية الليل في مدن الهامش حيث نصف الضوء ونصف العتمة..ظلت
الثريا تغمز لي بضوء بهيج بينا القطبية تدلت بمحاذاة سفينة بحار يرغب في المرسى,
وشهق الدب الأكبر حبا في الدبران.ثم بعثت إلى الشمس كتابا أشكو فيه دأبها على
اليقظة, بشكل يغري السائحات الشقراوات النازحات من ضباب العالم بتحريض نسائنا على
حمامات الشمس فوق رصيف الشارع. قلت لها: غيبي قليلا كي تأنس النساء إلى عتمات
الدار و"الحائك" القديم الذي يغطي تقريبا كل الوجه..وكي يتم الترخيص لنا
بالمفاعلات النووية لأجل إنتاج الطاقة ونشر الكهرباء في كل القرى قبل إهدائها إلى
العسكريشعلون النيران في أعقاب العالم, فتكون الكهرباء ذريعة النار والسلم النهج
الأسرع نحو الدمار.وأيضا كي لا تجد الأرض محورا تدور عليه فتصاب بدوخة العشاق وقت
الجفاء ووقت تشقق تربة القلب من الأسى لأجل احتمال بذرة الهجران. غيبي قليلا أيتها
الشمس كي لا أراك تراوحين بين الصفرة والحمرة والألق, وكي ألوذ بجرعة أخرى من
اليتم أبرر بها اكتئابي المتطاول عبر الأزمنة.
ألقت الشمس إلي بخيط أرهق جلدي بالسمرة..
وساحت نجمة كالحليب على رأسي
لكن الأرض لم تترنح بعد, وفي السماء متسع لشمس مشرقة
ونجوم وقمر..
والطائر الذي حوّم حوالي أذني ألقى إلي همسا: يا مجنون,
كيف تذري أحلامك القاتمة في الكون دون الرجوع إلى الشجر وحفيف أجنحة في المدى
البعيد؟
حدقت مليا في الطائر حتى إذا أدركت الأمر الذي فاتني من
قبلُ, أطرقت إلى الأرض أحدثها:
لست وحدي بين يديك, فكيف أهذي تأويلا للأحلام بمعزل عن
الطير والريح والشجر.
ضحكت الأرض قائلة: علمك الطائر. كان يحوم حولنا وينوسنا
بالنظرات ..
"سأبقى الأرض إذن, سأبقى الأرض".
*****
وفي يوم آخر قلت لها: اشتعلي.إن كنت الأرض الأرض فكيف
تطيقين خروج القوم على القوم بدساتير لتقتيل الأطفال..كيف يئن البارود على قدمي
وتدك مجنزرة العدو غدي وأنت سادرة في الدوران على نفسك مثل ذيل عقرب من حلوى وفراغ
المعنى؟.هبّي ريحا عاتية من غضب..ريحا لا تبقي بابا مغلقة أو طينا تكلس على قارعة
القلب, وهبي أحجارك لي أتمضمض بها صبحا وأرجم ظلال انهزامي طول النهار.أريد أن
أفيق على انتماء لرحابك كلها, لا حزب أو قبيلة لا يمين أو وسط أو يسار.
حطت الأرض على كتفي مثل عصفورة "بللها القطر"
هللت لأفق قد يشع غدا
وسالت على جسدي
نبعا أفاق لتوه
"سأبقى الأرض إذن..سأبقى الأرض".
*****
في اليوم الثالث ارتحت من القول
لعبت كما الأطفال بحزمة ضوء
ورسمت بالأخضر البهي على جدار كهف تبين أنه القلب صبية
طازجة كأنثى الحجل..ناغيتها زمنا وسميتها الأرض فأشرقت بسمتها تضاهي النجم والشمس
والقمر, وتشق طريقا للآتي.
"سأبقى الأرض إذن..سأبقى الأرض".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire