vendredi 22 avril 2016

قتل القط






إن الراعي الذي يود حث الأبقار على الشرب يبدأ بزجر الثور الفحل , و الرجل الذي يود إدخال الروع في قلب المرأة يضطر الى التضحية بحياة القط


لهذه الغاية أتى به قبل بضعة أشهر..قط أسود, ببقع بيضاء في الوجه والبطن وأسفل القوائم..صغير ولطيف, أطلقه يسرح في البيت ريثما يحين أوان الرجفة الضرورية كي تأخذ الأشياء طريق استقامتها.
ومن تلك القرية النائية المعتصمة بالشعاب والأحجارأتى بها..فتاة تصغره بعشر سنوات اقتلعها من حضن الأم وندءات الطفولة , قال لها: أنا أبوك وأمك الآن, مكانك والزمان..ثم طوح أمامها بالجسد الحيواني اللطيف على الحائط..ند عنه مواء متضرع ,ثم هوى على الأرض جثة هامدة..إنها اللحظة المبتغاة ,المخطط لها منذ مدة كي يصير الضلع الأعوج عجينته الطيعة ..كان يمرر أصبعه السبابة و الإبهام على شاربه, ويرنو اليها في زهو , هي التي كانت تتساءل من خلال ارتعاشات دهشتها الخرساء إن كان للقط روح واحدة أم سبعة أرواح كما يزعمون.
وطئها كما توطأ الدابة, وقبل أن يتوارى جسده المنتفش خلف الباب ,التقطت أذناه كلماتها الراجفة: واخا آالسي عثمان,اللي بغيتي آالسي عثمان .


على أن القط الذي نريده بذرة للخوف لا يصلح سمادا لكل الأراضي, والرجل الذي لا يملك مفاتيح باب الخبز, مجرد خباز في خدمة الغير.


هو الآن في المخبزة
شارباه, حلقة, سحنته كلها ملطوشة بالغبار الأبيض الدقيق, يسأله الآخرون كيف كانت ليلة الدخلة وهل قتل القط أم لا, وإذ  يتطايرالغبار الى حلوقهم ,يسعلون قليلا,ثم يثأرون لأنفسهم برفسات قوية على أكوام العجين الملقاة أمامهم كالجثث البلقاء.
لقد أمّن له السي الرحموني حاجته من الخبز لحفل العرس.. "أنت أجيري ومن الواجب أن أساهم في أسباب سعادتك, هل أحسنت الإختيار على الأقل؟ كان واثقا من أنه بذلك يضمن تفانيه مدة أخرى, فالعبد يظل عبدا ما دام السيد يتحكم جيدا في قوانين اللعب.
بيد أن الأمر أثقل من ذلك وأمر,وكيف تستطيع يا عثمان أن توزع أجرك بين البقال والخضاروالجزار والملبس وصاحب الدار؟ كيف توفق دائما في إرضاء السي الرحموني الذي لا يعطي باليمنى إلا ليأخذ باليسرى, لا يبسم لحظة إلا ليكشر شهرا..ها هو يقبل عليك ساخطا زاعقا بعد أن جمع وطرح,أضاف وخصم, يقول إن ثمن أربعة أرغفة ينقص من الحساب , فهل تأكلون السحت؟هل تستغفلونه أم ترثونه حيا؟ وأنت تكتفي بالغمغمة مطأطأ الرأس : واخا السي الرحموني..اللي بغيتي السي الرحموني.


والمرأة التي تحفظ حكمة الماء ,تعرف أن لا داعي للعجلة..أترك للسد أن يزهو, فإن الخروم ستنوشه حتما.


وحسب تقويم زمني لا يدرك أسرار حساباته سوى النساء, تقيس ربيعة متانة السد..لقد وقع الحوين المتهور في مصيدة البويضة المتشحة بالدهاء,والرحم الظافر يحتوي بذرته الأولى..تقئ ربيعة ما تأكله وترنو إلى عثمان بوجه متعب ..تطبخ البيصارة لكنها تشتهي الكفتة , يشتري البرتقال فتطلب الموز..الرغبة كاوية والوحم وحم فهل يذعن عثمان؟
ثم تلك الجارة, رحيمو التي تفشر على ربيعة’ تقول لها إن من لا يملك تلفزة لا يرى من عجب الدنيا شيئا وتدعوها ليلة السبت كي تتفرج على السهرة, فكيف تقمع رغبتها؟ قالت له: الله الله آالسي عثمان لو تشتري لنا تلفزة, أريد أن أتفرج في الشيخات والمسلسلات المصرية . قال لنفسه: هذا ما كنت أخشاه, وصاح فيها صيحة منكرة, لكنها لم تركن الى الصمت ..قالت إن رحيمو ليست أفضل منها ..لطمها بعنف فتذكرت القط الأسود المبقع بالبياض وهو يرتطم بالحائط ثم يهوي بلا حراك..غطت رأسها بيديها وانخرطت في نشيج مر.
أقبل عليها باسما..وطئها كم توطأ الدابة, ثم استدار الى الجهة الأخرى وكانت تغمغم: واخا آ عثمان واخا..


فهل ما نخافه في الغالب هو ما نقع في شراكه؟

ربيعة الطافحة شبابا وعافية تقصد المخبزة للسؤال عن عثمان, فتصادف السي الرحموني..نظرة واحدة كانت كافية كي يصفر في دواخله القطار المجدول بالحناء ,الراحل الى أفق لواعجه, قال: ما أبهاك يا صبية وما أقربك الى قلبي..خفضت نظرتها وطفح الخد بتلاوين الشفق.."أريد السي عثمان"
خرج اليها مغضبا : لماذا أتيت؟ لكنه رأى السي الرحموني فلين لهجته وأرجأ الوعيد.
- إيت بأرغفة زائدة, أبي وأمي عندنا  
- اذهبي الآن ..هيا
ولما راحت ابتسم الرحموني في وجه عثمان وقال في سريرته: واخا عليك آالزين ديالي, واخا..



إن ما نخافه في الغالب هو ما نقع في شراكه ..ذلك أن الأفعى لينة الملامس لن تلبث أن تكشف عن أنيابها , والمرأة التي خضعت لزوجها زمنا ستلبس يوما لبوس التمرد.


وماذا كان بوسعه أن يقول؟
أنهوا العمل كالمعتاد , وكانوا خارجين بسحناتهم المغبرة .. ناداه وحياه وطبطب عل كتفه في ود: " أنت عامل مجد يا عثمان وأنا أحبك ..وهذا ما جعلني أطمع في معروف منك : لو تترك حرمك المصون تساعد زوجتي في تهيئ العشاء, دعوت الليلة ضيوفا."
كانت مرتبكة ..خفق قلبها مرارا ..وقال إنها زهرة لحقله الموحش وإنه يحتاجها كي تساعد زوجته وتعيد البهجة إليه.
حملها بدجاحة وورقة مالية وفواكه..ثم حطت عيناها المتألقتان على وجه عثمان العابس..حكت له ورأت توجسه..
- سيحتاجونني مرة أخرى.
قال:
- لا
- سيعزز ذلك دخلنا ويذهب عنا بعض الضيق
ضرب بقوة على الطاولة
- كلا
- انظر ما حملونني إياه.
زاغ بعينيه بعيدا ..وفي نقطة ما من دائرة كالحة ,رأى بؤسه مجسما واضحا ..أدار لها ظهره, ودون أن يلمسها , وفي لحظة شهباء وجد نفسه يردد: واخا عليك آليام, كاتديري ما بغيتي.


الفرن الذي خمدت ناره يكف عن أن يكون فرنا..والرجل الذي يملك شاربين كثين ليس بالضرورة سيد بيته.


تذهب صباحا إلى بيت الرحموني وتعود مساء..صارت تؤمن الغذاء للبيت.. اشترت دولابا لأواني المطبخ, ملاءة للسرير, جلبابا وأشياء أخرى كثيرة..
يكيل عثمان الدقيق, يلوي عنق العجين, وإذا صادف الرحموني يخفض عينيه أو يزيغ بعيدا كي لا يرى بسمته.أما ربيعة فقد غيرت من نظرتها مشيتها ولهجة حديثها.. وفي إحدى الأماسي,أطلقت لضحكتها العنان..ضحكة طويلة صاخبة نهرية , دلقت عبرها كل ركامات الغبن والصمت والانصياع, ثم التفتت اليه:
- هل تدري لماذا ضحكت آعثمان؟ تذكرت ما فعلته بالقط المسكين ..القط الاسود المبقع بالبياض, أخبرني لماذا قتلته؟
وعلت ضحكتها من جديد.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire