mercredi 13 avril 2016

الرجل الذي رحل إلى الشمال


       في يوم من أيام الخريف..                                                                  
       في القطار المتوجه نحو الشمال: 
       رجل..و امرأة عجوز..                                 
             .       
   العجوز تحدق في الرجل..و الرجل ينظر عبر النافذة إلى الأشياء التي تلوح ثم تختفي سريعا و الجسد الثعباني يبتلع المسافات و يشق في بطن الرياح طريقه يعوي القطار..تتأوه الريح..وبشكل فجائي تنبت في الخلاء قرية صغيرة:أطفال يتجارون و يلوحون بأيديهم و يقفزون..نساء يتصايحن حول سقاية ماء..رجل يتغوط..و من فوق تسقط غمامة دافئة تقع في جفن الرجل و تستحيل إلى دمعة ( هل يبكي الرجل؟) تساءلت المرأة و جعلت تحدق في عينيه.."آه لولا نظري الضعيف لعرفت إن كان يبكي أم لا.."و تنهدت..لم تعد شابة و العينان – البئران الغائران في صحراء الوجه- لم تعودا تسعفانها في التطلع الى الأشياء...حدقت كثيرا في الوجه..بحثت في العينين.."لعله يبكي" رددت..و كان ينظر عبر النافذة..يهرب من نظرات المرأة..من الصخب الذي بداخل الرأس و يود لو ينام قليلا..
المرأة: يبدو مهموما و مهدودا..يا للرجل المسكين
الرجل: بلهاء..وعيناها جارحتان مثل شظيتين.
و كان اليوم خريفا...
باردا و قاتما..
و القطار مثل سر كئيب يجرح الأرض و يصرخ في وجه الريح..
و داخل العربات: رجل...و امرأة عجوز..
  و شعر الرجل بأنه يكتشف اللحظة أشياء كثيرة غفت داخل صدره زمنا و القلب يهتز الآن أقوى ما يكون، لارتعاش الهواء خارج القطار، لتحليق عصفور يتجه أيضا إلى الشمال أو لنظرات  امراة عجوز لا تفارقه بعينيها.. " ترى ما الذي يدفعها إلى الرحيل؟ " تساءل الرجل وأغمض عينيه..و لبرهة اعتقدت المرأة أنه أغفى" مسكين يبدو متعبا ووحيدا.. و ليلي الشمال كما يحكون باردة و طويلة  و تحتاج إلى مؤنس..أليس له زوجة أو أبناء ؟آه..كم هو متعب ووحيد." و أطلت عل أحراش ذهنها ذكرى قديمة من أيام الشباب، ايام العين الحلوة و القد المياس و النار الموقدة في حنايا الرجال..تنهدت و انكمشت في مجلسها.. و تململ الرجل.. فتح عينيه و رأى العصفور المهاجـر إلى الشمال.. كان يفرد جناحيه و حـيدا  و يجاهد الرياح..و تذكر العش و..عيشة..
لماذا كانت تريد أبناء. و الأبناء يريدون خبزا. و الخبز يتطلب عملا أو قلبا من حديد ؟ خمسة..توافدوا تباعا و لم يغلقوا أفواههم مند صرخة الولادة..نظر الى يده..الى الأصابع الخمسة..تمتم:"تركت يدي هناك و أتيت..آه.." وسقطت غيمة ثانية صارت ظلالا كثيفة من الحزن و بدت العربة مظلمة..انتبه الرجل..كان القطار داخل نفق و كان مظلما فعلا..كأن الليل حط فجأة، حط اللحظة مثل قدر ثخين و غطى مل شيئ: العشب و الاشجار و الطائر المهاجرو القرى الفقيرة و الأطفال..لكن بقي شيئ واحد وسط العتمة مومظا و براقا..عينا المرأة العجوز..صغيرتان و متقدتان تحدقان به ولا تزيغان..و أصيب الرجل بالذعر.. انتفض قلبه  بقوة و قال بصوت خفيض: سأخنق هذه المرأة إن لم تفارقني..
   و كان اليوم خريفا..
غائما و موحشا
 و بإحدى عربات القطار المتوجه نحو الشمال:
رجل و امراة عجوز..
  و أعولت الرياح بشدة ترنح لها العصفور المهاجر.. غتجه اليه الرجل بقلبه و قال: لا تسقط و تدعني    وحيدا ..و تنهد ..وحيدا سأمضي و أضرب في اصبار الارض.وداعا يا عيشة و الأبناء وصيتي الأخيرة.. نظر إلى يده..إلى الأصابع الخمسة..كانت باردة صفراء..غمغم: ترى كيف سيكونون ؟ و تنهد من جديد..وود لو يبكي و كانت تحدق فيه وود لو يخنقها و أخيرا أغمض عينيه و استرخى لئلا يستجيب للرغبة  في القفز من القطار و العودة الى عيشة و الاولاد..
و القطار يزمجر و ينهب الأرض..نهر يحفر مجراه في صخب و يمضي " إلى أين؟ " قال الرجل..و بدا أماما جبل يسد الطريق.." لاأريد أن يدخل القطار في نفق آخر " قالت المرأة :" أخاف الأنفاق..توحي بالموت و كل الدلالات الحزينة  و وحدي مع هذا الرجل الذي يبعث على الوحشة و يشيح بوجهه جانبا كلما نظرت اليه.
   وخطر لها خاطر ذعرت له " لعله مهرب..فكل المهربين يتجهون إلى الشمال.." و مدت عنقها تحدق فيه..عيناه مغمضتان لكنه احس بلهيب النظرات يلفح وجهه..آه ايتها العجوز اني خانقك لا محالة..ذاك ثمن الرحيل الى الشمال و تذكر العصفور..لم جناحيه و هوى على شجرة ليستريح..آنذاك صفرالقطار و توقف في إحدى المحطات..
   المرأة : أية محطة هذه ؟
   الرجل : إنها المحطة ما قبل الأخيرة .
  و انشغل بالنظر إلى الناس الطالعين و النازلين و تلويحات الأيدي و الأفكار المضطربة على الوجوه.." آه الرحيل صعيب..يقلب فينا تربة الأعماق و يزرع بذورا لها طعم البحر و الملح ..الرحيل ولادة و لم يبق إلا محطة واحدة  ثم أتخبط بين فكي كماشة اسمها  الشمال..أذهب..فالعمل متوفر..صحيح أن الايام صعبة و الضغط على الزناد صار أمرا سهلا لكن العمل متوفر و ذو مردود.." اذهب تعد غنيا..كل الذين سبقوا صاروا كذلك..اشتروا  الدور و الأراضي و السيارات..ارحل إلى الشمال و لم يبق إلا محطة واحدة.. آه. . كم اشتقت الى ابنائي.
وتحرك القطارإلى الشمال..
في يوم من أيام الخريف..
غائم و عاصف..
و بإحدى العربات:
رجل وحيد  .
ينظر اتجاه المرأة و ينتفض مذعورا..رحلت..و لا أثر لعينيها داخل العربة..يبحث عنها و لا يصدق..أية غيمة أخذتها بعيدا أو أي سيل جارف أهوج..كانت عيناها حانيتين دافئتين و عاتبتين..هل قلت إنهما جارحتان؟ أو فكرت في خنقها ؟.آه..كم أحببتها..و كانت أمامي..لا..لا يمكن أن تغيب هكذا و تتركني وحيدا..وهب الرجل يجري داخل العربات لكن..لاإمرأة هناك و لا أحد..كان الرجل الوحيد المتجه الى الشمال..غابت المرأة، و العصفور حط على الشجرة و لم يستأنف الطيران..حضنته الأغصان و قالت : هنا وكرك ، فاستراح. ايها العصفور الذي نام خبرني كيف حال الأولاد؟
أولاد خمسة..
يصرخون و ينتظرون إطلالة الأب في المساء..
لكن الأب رحل بعيدا..رحل و حيدا..
في القطار المتوجه نحو الشمال..
خبر غير مهم:
في أسفل ركن بالصفحة الخامسة لإحدى الجرائد..تحت العنوان أعلاه..جاء ما يلي :

" لقي رجل مصرعه ليلة أمس.. التحريات الأولى للشرطة تفيد بأن الرصاصة التي أردته انطلقت خطأ من 
بندقية رجل حائز على أول جائزة في صيد الأرانب..و إنا لله وإنا إاليه راجعون ".

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire