سبعة أجراس لزمن البرتقال
موت البرتقالة أو ابتداء النهار
أطل من نافذة الشقة الموجودة على السطح و أرى : خيوط الغبش تنسج للصبح الرداء..و الطريق خالية ممتدة تغري بالسفر و توحي بأشياء غريبة وقعت في زمن آخر أو ستقع قريبا.
صباح جميل و مناسب لسقوط قنبلة أو كائنات فضاء أو رئيس دولة..و كنت أطل من النافذة، رأيت: الطريق ليست خالية تماما - يملؤها ذلك الجسم الصغير..فتحت عيني جيدا و رأيت على الطريق كانت تنام برتقالة.. لعلها مهترئة و فاسدة لكنها ما تزال داخل قشرتها ذات اللون المتميز جذابة و مغرية..تنط و تغمز كلما أيقظها شكل ما للحركة.. حركة هواء أو زعيق محرك يهدر من بعيد- و لم يرها أحد. الشاحنة وحدها رأتها و كنت أرى ..رأتها و مضت بهديرها الذي لا يشبه هدير البحر.. و لم يكن لها قلب ..قاسية كانت تلك الشاحنة التي رأت البرتقالة و مرت - مرت فوقها فانبعجت- و كنت أرى ..صار لها شكل لا يوحي بأنها كانت في يوم ما برتقالة
كنت قد أفقت لتوي ،أطل من النافذة و رأيت..الأن يبتدئ النهار.هو دائما يبتدئ
هكذا- تموت البرتقالة في طريق خالية ثم تطفح السماء بلون البرتقال
الرحلة الى زمن البرتقال
نزلت الأدراج- ووجدتني في الشارع أصفر و أدندن - نسيم الصباح يرش وجهي و يوقظ داخلي احساسات كأنها الحلم - قلت له: أيها الهواء الرقيق ادخل رئتي..فدخل اقرص وجهي ففعل عندها انتبهت إلى أن الشتاء قد حل و إني احتاج الى معطف.
وصلت المكان الذي بضاحية المدينة ووقفت - و كان البعض قد وصل - وقوفا ينتظرون على الوجوه قرصات البرد و في العيون حلم معلق على المشجب و له شكل المعطف - كنا جمعا فيه الرجال و النساء و الأطفال و كنا نتظر..مثل جماعة من الغجر كنا أو لاجئي مخيم - واقفين يقرصنا البرد و يوقظنا و ننتظر - أخيرا أتت صفر بعضنا و ركب.. و قلت: لا..لن أركب حتى أرى..تذكرت البرتقالة فصفرت و لم أركب بحثت عنها تحت العجلات و كانت هناك : رائحتها و شهوة القتل..قلت في نفسي إن هذه العجلات ارتكبت جريمة أنا شاهدها الوحيد..نظرت مليا اليها و تبولت .. و كان البول ساخنا يصعد منه البخار و من فمي بخار و صعدت
كنا جمعا فيه الرجال و النساء و الأطفال..تكدسنا و اندغمنا مثل حروف كئيبة في بعضنا البعض.. تحركت الشاحنة و صار للبرد سياط تلسع أجسادنا التي دخلت في علاقات سرية
الدخول الى زمن البرتقال
الضيعة مدينة كبيرة.. مدينة للبرتقال و العرق و كنا جيشا توزعنا الة ميمنة و ميسرة، مقدمة و مؤخرة و هجمنا - أثير النقع و بكت الجياد و صهلت السيوف و قال قائلنا: أنا لاأحسن الكر و لا أحسن الفر امنا أحسن الجني.. و دخلنا زمن البرتقال
الأشجار مستسلمة و واقفة - نعريها و تتفرج - نعرك النهد الأصفر المذهب نضع جثمانه في الصندوق و تتفرج- و العصافير التي كانت نائمة طارت -فزعت و طارت ولم ترد مشاهدة الجريمة او التعرض لنظرات الرجل الفظ الغليظ - نظرات قاسية ، سياط اخرى تنضاف الى القهر و البرد، و ليس لدينا معطف و ليس لدينا مصدر آخر للخبز - الرجل الفظ الغليظ يأكل جيدا و يشحن صناديق البرتقال ثم يمضي .. الى اين؟ و نبقى هناك بين الأشجار و العرق و البرد - نقتل البرتقال و يقتلنا الرجل الفظ الغليظ بسياط النظرات
:ما قلته للعامل الآخر
نظرت جنبي - كانت بي رغبة شديدة في تدخين سيجارة او عقب - و قلت : هي مسألة حياة أو موت..و نظرت جنبي الى العامل الآخر - أخرج واحدة و اقتسمناها و علا الدخان و البخار و الرغبة في تكسير الزمن .. أي زمن ؟ زمن ما يود أن يكسر.. قلت للعامل الآخر
. نحن نقتل البرتقال و هم ينتعشون بالعصير -
. هكذا نحن لاشيء -
.كثير من الناس كانوا مثلنا لاشيء و صارواشيئا -
. نعم صاروا شيئا و نحن لا شيء نقتل البرتقال -
وكان الدخان حارا في الحلق و قاسيا لكنه مع ذلك حلو و لذيذ. كنت أرشف منتشيا و أقول له: ادخل رئتي فيدخل - اسعل و يسيل من انفي المخاط - يتقاسم جسدي الدخان و الزكام - و العامل الآخر مشدوها يحملق في .. قال
- هكذا هي مسألة حياة أو موت.- و القتل يحتاج الى ذلك - انظر الى هذه البرتقالة
الوديعة و التي سنقتلها بعد حين - اليس هذا قاسيا و يحتاج الى تدخين ؟
قلت
. ذاك ضروري - نقتلها لكي نعيش -
. الحياة اذن تقوم على القتل -
. نعم -
. و هؤلاء الذين يعيشون في بحبوحة لابد أن ضحاياهم كثيرون -
.. أكيد -
و احترق آخر رمق في السيجارة بين يدي.. رميته و نظرت الى العامل الآخر ثم الى شجرة البرتقال. جذبت شعرها و قرصت النهد..كانت ناضجة و نافرة مثل نهدها دعكتها فتأوهت ثم انفلتت من الغصن و ارتمت في كفي و ماتت
ما قاله لي العامل
و حان وقت الغذاء فنفضنا ايدينا من آثار الموتى و تنفسنا الصعداء - أخرج كل منا ما عنده من زاد : خبزو زيتون - خبز و بيض مسلوق خبز و سمك معلب خبز و خبز و كنا نأكل و الرجل الغليظ يأكل أمامه لحم كثير و خمر و فواكه - نأكل الخبز و الخبز و أمامه لحم كثير..
و نظر الي العامل الآخر و قال
أترى ما أمامه على البساط ؟ -
و لم ينتظر أم يسمع الجواب - كان يبدو حزينا و مغبونا قال
لحمنا -
:قلت
. هكذا نحن نقتل البرتقال و يأكلون لحومنا -
و قضمت أخر ما تبقى لي من الخبز و نهضت - تمشيت بين الأشجار و اشتممت روائح كثيرة و متداخلة - لعلها ازهار البرتقال و العرق او رائحة توابل في قدر كبير.. أو رائحة شيء ما متفسخ و عطن- روائح مخلوطة و متداخلة و نفاذة قهرت الزكام و داخلتني - و كنت اتمشى بين الأشجار أتفرس في البرتقال , أعشاش العصافير و رأيت :امرأة فجرت شهوتهما رائحة البرتقال و الزهر أو رائحة التوابل أو شيء آخر..أحسا بمقدمي فتكوما و قطعا الأنفاس - كانا قربي محرجين و كنت محرجا.. قلت: ماذا تفعلان ايها العفريتان ؟ نطق الرجل قال: لاشيء نمزح فقط، ثم انحنى على المرأة و ذهبت.. و صرنا جيشا توزعنا الى ميمنة و ميسرة، مقدمة و مؤخرة و هجمنا
موت النهار أو ابتداء الحكاية
في المساء - و كنا متعبين مهدودين ننتظر الشاحنة و البرتقال ميت في الصناديق. بدأ المطر يهطل خفيفا في البداية ثم عنيفا فيما بعد.. كنا جمعا فيه الرجال و النساء و الأطفال و كنا ننتظر الشاحنة..تأخرت..تذكرت الماء الذي رششته عليها من بطني و قلت : لعلها انزلقت : أو لعل طائرة انقضت عليها من السماء فقتلتها -راقتني هذه الفكرة و شطح خيالي معها بعيدا حتى نسيت أننا في ضيعة بعيدة و معزولة تحت أن نروح الى منزلنا نرتعد من البرد و متعبين - و الأطفال أشدنا تعبا - رفع طفل صوته بأغنية حزينة لكن الأغنية طارت بعيدا و بقي الحزن و التعب. و تحسس الليل عباءته يريد أن يغطينا لكني رأيت..قبل أن يغطينا الليل رأيت الطفل وهو يهوي أرضا و تغسله الأمطار و الأيدي.. امتدت الايدي من كل جانب و صاح الجمع : الله اكبر- ثم حط الليل فجأة مثل غراب في حجم العالم و لم نعد نرى الطفل و قلت الحمد لله الذي أعطانا أفواها نصيح بها او نصفر و نعلن بها عن وجودنا في الظلام..صحت مثل ذئب و أجابني أحدهم بصفير حاد قلت: من هو الكلب الذي صفر؟ فسمعت صوتا يقول الكلب هو ابوك أيها الجرو الأجرب.. و تعالى الصياح و الصفير من كل جانب حتى خرج الرجل الفظ الغليظ من جحره ( كان مع احدى العاملات رأيت ذلك في عينيها اللتين يخفسهما الظلام
:زعق فينا
. اسكتوا أيها الكلاب -
:و أجابه نفس الصوت قال
. الكلب هو أبوك أيها الجرو الأجرب -
و في تلك اللحظة تعرفت على صاحب الصوت..عرفت أنه العامل الأخر الذي قال لي أشياء كثيرة و قال نحن لا شيء
:صحت أؤازره
. نعم الكلب هو ابوك ايها الحمار -
و تعالى الصياح و الصفير - ثم سقط طفل آخر - لم نره لكنا سمعناه - صاح ماما - أريد ماما لأعطيها الفلوس - و سقط تغسله الأوحال و الأيدي.. و امتدت الأيدي من كل جانب و صاح الجمع : الله أكبر - و سألت : لماذا تأخرت الشاحنة ؟
:قال الذي بجانبي
فلتتأخر يا أخي شاحنة الكلب مالنا و لها ؟ -
ثم سمعته يقول في همس : أحبك يا فاطنة تعالي معي للخلاء - ضحكت فاطنة في غنج و قالت له : ويلي احتشم - قلت في نفسي : تفو - وصفرت تعالى الصفير و الصياح - و تذكرت سينما الحي عندما ينقطع الشريط فجأة فنجد أنفسنا معلقة الى بياض - نصفر و نضرب الكراسي الخشبية بكل قوانا فيعود البطل و ينتصر - لا كراسي هنا و لا بطل -نساء و أطفال يتساقطون مثلخراف الجفاف - و أمطارو انتظار - لماذا تأخرت ؟
أتى الكبران بعد حين و سرت وشوشة في الجمع - و عندما سقط الطفل الثالث كان الكل يعرف ما أتى به الكابران ..قال : "ذهبت على الدراجة استطلع الخبر - و اذا بالشاحنة في منتصف الطريق بين الضيعة و المدينة واقفة
حادثة سير ؟ لعلها اصطدمت بشجرة أو بحمار ..أو لعل السائق مات فجأة بنوبة قلبية و هو خلف المقود..و تذكرت البرتقالة التي كانت نائمة في عرض الطريق ثم نزل عليها القدر قبل أن تندهش أو تسأل عن الخبر ..قاسية هي الشاحنة ..تقتل البرتقال مثل تقتل الخراف و الناس..طق.. و تمتليء الطريق بالدماء و رائحة القتل و العويل و المتفرجين لكن لماذا تأخرت ؟
:يقول الكابران
" كان السائق خلف المقود سكرانا متعتعا. و قال : لن اسوق هذه الكلبة حتى يرفع أجري هل يظنني حمارا ؟ لا..أيها الكبران الحمار أنا فايق و عايق " و صفرنا - صفقنا ( من أين لنا هذا الحماس ؟ و " نحن لاشيء" قال العامل الآخر) و قلنا
. هو ذا الكلام و لا بلاش -
. هي دي الشطارة و المفهومية -
. أنت شاطر أيها السائق -
و أحس الرجل الفظ الغليظ بثقل الليل و المطر و أحسست فجأة بان ليس هناك برد أو ظلام.. و رأيت : نهظ ألاطفال الذين سقطوا و انتعشت جبال البرتقال الميتة
حوار أخير برتقالي الطعم
:في الطريق و كنت ماشيا اشتم هواء الصبح التقيت برتقالة صغيرة - قلت لها
إلى اين أيتها الجميلة؟ -
و انتبهت إلى أن على جبينها طابعَ حُسْنٍ.. تمعنت فيه فإذا منقوش عليه
: ماروك" قالت "
. إلى السوق -
أه يا للجسارة و الإقدام ألا تخافين البحر و الجمارك و العجز التجاري ؟ -
. هذه أشياء ألفناها -
:نظرت في عينيها طويلا فتوردت خجلا قلت
..انظري تحت قدميك ..هنا أحبتك الذين اشتاقوا إليك -
و بدت زهرتها البيضاء جميلة و جميلة و جميلة..كانت خجلة تنظر إلى الأرض و تحفرها بالنظرات
الضيعة مدينة كبيرة.. مدينة للبرتقال و العرق و كنا جيشا توزعنا الة ميمنة و ميسرة، مقدمة و مؤخرة و هجمنا - أثير النقع و بكت الجياد و صهلت السيوف و قال قائلنا: أنا لاأحسن الكر و لا أحسن الفر امنا أحسن الجني.. و دخلنا زمن البرتقال
الأشجار مستسلمة و واقفة - نعريها و تتفرج - نعرك النهد الأصفر المذهب نضع جثمانه في الصندوق و تتفرج- و العصافير التي كانت نائمة طارت -فزعت و طارت ولم ترد مشاهدة الجريمة او التعرض لنظرات الرجل الفظ الغليظ - نظرات قاسية ، سياط اخرى تنضاف الى القهر و البرد، و ليس لدينا معطف و ليس لدينا مصدر آخر للخبز - الرجل الفظ الغليظ يأكل جيدا و يشحن صناديق البرتقال ثم يمضي .. الى اين؟ و نبقى هناك بين الأشجار و العرق و البرد - نقتل البرتقال و يقتلنا الرجل الفظ الغليظ بسياط النظرات
:ما قلته للعامل الآخر
نظرت جنبي - كانت بي رغبة شديدة في تدخين سيجارة او عقب - و قلت : هي مسألة حياة أو موت..و نظرت جنبي الى العامل الآخر - أخرج واحدة و اقتسمناها و علا الدخان و البخار و الرغبة في تكسير الزمن .. أي زمن ؟ زمن ما يود أن يكسر.. قلت للعامل الآخر
. نحن نقتل البرتقال و هم ينتعشون بالعصير -
. هكذا نحن لاشيء -
.كثير من الناس كانوا مثلنا لاشيء و صارواشيئا -
. نعم صاروا شيئا و نحن لا شيء نقتل البرتقال -
وكان الدخان حارا في الحلق و قاسيا لكنه مع ذلك حلو و لذيذ. كنت أرشف منتشيا و أقول له: ادخل رئتي فيدخل - اسعل و يسيل من انفي المخاط - يتقاسم جسدي الدخان و الزكام - و العامل الآخر مشدوها يحملق في .. قال
- هكذا هي مسألة حياة أو موت.- و القتل يحتاج الى ذلك - انظر الى هذه البرتقالة
الوديعة و التي سنقتلها بعد حين - اليس هذا قاسيا و يحتاج الى تدخين ؟
قلت
. ذاك ضروري - نقتلها لكي نعيش -
. الحياة اذن تقوم على القتل -
. نعم -
. و هؤلاء الذين يعيشون في بحبوحة لابد أن ضحاياهم كثيرون -
.. أكيد -
و احترق آخر رمق في السيجارة بين يدي.. رميته و نظرت الى العامل الآخر ثم الى شجرة البرتقال. جذبت شعرها و قرصت النهد..كانت ناضجة و نافرة مثل نهدها دعكتها فتأوهت ثم انفلتت من الغصن و ارتمت في كفي و ماتت
ما قاله لي العامل
و حان وقت الغذاء فنفضنا ايدينا من آثار الموتى و تنفسنا الصعداء - أخرج كل منا ما عنده من زاد : خبزو زيتون - خبز و بيض مسلوق خبز و سمك معلب خبز و خبز و كنا نأكل و الرجل الغليظ يأكل أمامه لحم كثير و خمر و فواكه - نأكل الخبز و الخبز و أمامه لحم كثير..
و نظر الي العامل الآخر و قال
أترى ما أمامه على البساط ؟ -
و لم ينتظر أم يسمع الجواب - كان يبدو حزينا و مغبونا قال
لحمنا -
:قلت
. هكذا نحن نقتل البرتقال و يأكلون لحومنا -
و قضمت أخر ما تبقى لي من الخبز و نهضت - تمشيت بين الأشجار و اشتممت روائح كثيرة و متداخلة - لعلها ازهار البرتقال و العرق او رائحة توابل في قدر كبير.. أو رائحة شيء ما متفسخ و عطن- روائح مخلوطة و متداخلة و نفاذة قهرت الزكام و داخلتني - و كنت اتمشى بين الأشجار أتفرس في البرتقال , أعشاش العصافير و رأيت :امرأة فجرت شهوتهما رائحة البرتقال و الزهر أو رائحة التوابل أو شيء آخر..أحسا بمقدمي فتكوما و قطعا الأنفاس - كانا قربي محرجين و كنت محرجا.. قلت: ماذا تفعلان ايها العفريتان ؟ نطق الرجل قال: لاشيء نمزح فقط، ثم انحنى على المرأة و ذهبت.. و صرنا جيشا توزعنا الى ميمنة و ميسرة، مقدمة و مؤخرة و هجمنا
موت النهار أو ابتداء الحكاية
في المساء - و كنا متعبين مهدودين ننتظر الشاحنة و البرتقال ميت في الصناديق. بدأ المطر يهطل خفيفا في البداية ثم عنيفا فيما بعد.. كنا جمعا فيه الرجال و النساء و الأطفال و كنا ننتظر الشاحنة..تأخرت..تذكرت الماء الذي رششته عليها من بطني و قلت : لعلها انزلقت : أو لعل طائرة انقضت عليها من السماء فقتلتها -راقتني هذه الفكرة و شطح خيالي معها بعيدا حتى نسيت أننا في ضيعة بعيدة و معزولة تحت أن نروح الى منزلنا نرتعد من البرد و متعبين - و الأطفال أشدنا تعبا - رفع طفل صوته بأغنية حزينة لكن الأغنية طارت بعيدا و بقي الحزن و التعب. و تحسس الليل عباءته يريد أن يغطينا لكني رأيت..قبل أن يغطينا الليل رأيت الطفل وهو يهوي أرضا و تغسله الأمطار و الأيدي.. امتدت الايدي من كل جانب و صاح الجمع : الله اكبر- ثم حط الليل فجأة مثل غراب في حجم العالم و لم نعد نرى الطفل و قلت الحمد لله الذي أعطانا أفواها نصيح بها او نصفر و نعلن بها عن وجودنا في الظلام..صحت مثل ذئب و أجابني أحدهم بصفير حاد قلت: من هو الكلب الذي صفر؟ فسمعت صوتا يقول الكلب هو ابوك أيها الجرو الأجرب.. و تعالى الصياح و الصفير من كل جانب حتى خرج الرجل الفظ الغليظ من جحره ( كان مع احدى العاملات رأيت ذلك في عينيها اللتين يخفسهما الظلام
:زعق فينا
. اسكتوا أيها الكلاب -
:و أجابه نفس الصوت قال
. الكلب هو أبوك أيها الجرو الأجرب -
و في تلك اللحظة تعرفت على صاحب الصوت..عرفت أنه العامل الأخر الذي قال لي أشياء كثيرة و قال نحن لا شيء
:صحت أؤازره
. نعم الكلب هو ابوك ايها الحمار -
و تعالى الصياح و الصفير - ثم سقط طفل آخر - لم نره لكنا سمعناه - صاح ماما - أريد ماما لأعطيها الفلوس - و سقط تغسله الأوحال و الأيدي.. و امتدت الأيدي من كل جانب و صاح الجمع : الله أكبر - و سألت : لماذا تأخرت الشاحنة ؟
:قال الذي بجانبي
فلتتأخر يا أخي شاحنة الكلب مالنا و لها ؟ -
ثم سمعته يقول في همس : أحبك يا فاطنة تعالي معي للخلاء - ضحكت فاطنة في غنج و قالت له : ويلي احتشم - قلت في نفسي : تفو - وصفرت تعالى الصفير و الصياح - و تذكرت سينما الحي عندما ينقطع الشريط فجأة فنجد أنفسنا معلقة الى بياض - نصفر و نضرب الكراسي الخشبية بكل قوانا فيعود البطل و ينتصر - لا كراسي هنا و لا بطل -نساء و أطفال يتساقطون مثلخراف الجفاف - و أمطارو انتظار - لماذا تأخرت ؟
أتى الكبران بعد حين و سرت وشوشة في الجمع - و عندما سقط الطفل الثالث كان الكل يعرف ما أتى به الكابران ..قال : "ذهبت على الدراجة استطلع الخبر - و اذا بالشاحنة في منتصف الطريق بين الضيعة و المدينة واقفة
حادثة سير ؟ لعلها اصطدمت بشجرة أو بحمار ..أو لعل السائق مات فجأة بنوبة قلبية و هو خلف المقود..و تذكرت البرتقالة التي كانت نائمة في عرض الطريق ثم نزل عليها القدر قبل أن تندهش أو تسأل عن الخبر ..قاسية هي الشاحنة ..تقتل البرتقال مثل تقتل الخراف و الناس..طق.. و تمتليء الطريق بالدماء و رائحة القتل و العويل و المتفرجين لكن لماذا تأخرت ؟
:يقول الكابران
" كان السائق خلف المقود سكرانا متعتعا. و قال : لن اسوق هذه الكلبة حتى يرفع أجري هل يظنني حمارا ؟ لا..أيها الكبران الحمار أنا فايق و عايق " و صفرنا - صفقنا ( من أين لنا هذا الحماس ؟ و " نحن لاشيء" قال العامل الآخر) و قلنا
. هو ذا الكلام و لا بلاش -
. هي دي الشطارة و المفهومية -
. أنت شاطر أيها السائق -
و أحس الرجل الفظ الغليظ بثقل الليل و المطر و أحسست فجأة بان ليس هناك برد أو ظلام.. و رأيت : نهظ ألاطفال الذين سقطوا و انتعشت جبال البرتقال الميتة
حوار أخير برتقالي الطعم
:في الطريق و كنت ماشيا اشتم هواء الصبح التقيت برتقالة صغيرة - قلت لها
إلى اين أيتها الجميلة؟ -
و انتبهت إلى أن على جبينها طابعَ حُسْنٍ.. تمعنت فيه فإذا منقوش عليه
: ماروك" قالت "
. إلى السوق -
أه يا للجسارة و الإقدام ألا تخافين البحر و الجمارك و العجز التجاري ؟ -
. هذه أشياء ألفناها -
:نظرت في عينيها طويلا فتوردت خجلا قلت
..انظري تحت قدميك ..هنا أحبتك الذين اشتاقوا إليك -
و بدت زهرتها البيضاء جميلة و جميلة و جميلة..كانت خجلة تنظر إلى الأرض و تحفرها بالنظرات
جلجلت أجراسك الواحد تلو الآخر و عم صداها محركا انفعالات شتى، و مع كل جرس هاج الفضول.
RépondreSupprimer