samedi 10 septembre 2016


القصة المغربية في المقرر الدراسي*





"القصة المغربية في المقرر الدراسي" العنوان الذي اتخذ شعارا لهذا الملتقى القصصي الأول، يضعنا في معرض التفكير في أقنومين بالغي الأهمية: الأدب والمدرسة.. الأدب كنشاط تخييلي وصوغ جمالي للعالم، والمدرسة كإطار لتربية النشء وتهذيبه وإشباع حاجته إلى الأطر المرجعية القمينة بترسيخ الشعور بالانتماء والتوافق الاجتماعي.
إننا إزاء حقلين لكل منهما وظائفه وغاياته وآليات اشتغاله، حقلين يتضادان ويتضامان، يتقاطعان ويتنابزان، لكن يخدم في النهاية احدهما الآخر.
فالمدرسة وهي تصوغ منهاجها التعليمي، لا محيد لها عن الأدب كرافعة للقيم المطلوب ترسيخها لدى المتعلم. كما أن الأدب يستفيد بدوره بالمراهنة على المستقبل، حيث تتوسع قاعدته القرائية ومحفل التلقي، بما يؤبد حضوره كرؤية وأفق اشتغال ونشاط خلاق.
فما حجم حضور الأدب المغربي في المقرر الدراسي؟
أذكر أن الصحفية والأديبة ليلى البارع قد أنجزت استطلاعا صحفيا في الموضوع، وبدا الاتجاه الغالب منساقا إلى فكرة الوجود المحتشم للأدب المغربي قياسا بالأدب المشرقي. لكن، والموضوع الآن، حسب ما طرحه الصديق القاص عبد الهادي لفحيلي، هو القصة القصيرة في المقرر الدراسي، يبدو أننا إزاء واقع مغاير، ترجح فيه الكفة لصالح القصة المغربية.. هذا على الأقل ما استنتجته من خلال تقري كتابين مدرسيين مقررين في مستويين إشهاديين يمثل كل منهما محطة ختامية لمرحلة وسلك تعليمي هما مقرر السنة الثالثة إعدادي والسنة الثانية باك (1).
لعل من الوظائف الأساسية للمدرسة وظيفتي التطبيع الاجتماعي socialisation وما يسميه "فيلارس" بالحفاظية fonction conservatoire(2). وبذلك يحدث غالبا أن يستحيل الفعل التربوي إلى فعل لتقليم الأظافر وتهريب الغابة إلى الحديقة. وبالقراءة الأولية لمقرر الثالثة إعدادي، يلاحظ بالوضوح الكافي تقطيع المواد الدراسية إلى مجالات ووحدات قيمية، تبتدئ بالقيم الإسلامية، فالوطنية الإنسانية، فالمجال الحضاري، فالاجتماعي الاقتصادي، فالسكاني، وأخير الفني الثقافي. وتحت يافطة كل قيمة من القيم، تم إدراج مجموعة من النصوص المقسمة بدورها حسب النوعية والطبيعة الأجناسية (وإن بشكل مضطرب) إلى نص شعري، نص قرائي ونص مسترسل...بما يشي بأن النصوص مجرد ذريعة ومطية لخدمة الأهداف التربوية، وبما يجعل الهوية الأجناسية تتوارى إلى الخلف القصي، ويتم التعامل مع النصوص كأوعية قيم، بنفس الآليات ونفس الخطوات الديداكتيكية التي لا تميز بين نص إبداعي ونص مقالي..
صحيح أننا نصادف أسماء في السرد المغربي، من قبيل مبارك ربيع، أحمد عبد السلام البقالي، عبد الكريم غلاب وأحمد بوزفور..لكنها تحضر كظلال كهف أفلاطوني مفصولة عن إطار واضح يقدمها كأسماء كتاب في جنس أدبي محدد، في حقبة ما، ولها تاريخ وعطاء حافل..
هذه الصورة تأخذ لونا آخر، حين النظر إلى مقرر السنة الثانية باك. لقد مرت ثلاث سنوات، ابن الخامسة عشرة صار شابا في الثامنة عشرة، كما أن المرحلة الإعدادية أفضت إلى مرحلة تأهيلية، مع ميزة التخصص في الشعبة الأدبية.
في المجزوءة الخاصة بالأشكال النثرية الحديثة، حيث القصة والمسرحية، نجد في باب القصة أحد عشرة نصا أو مقتطفا من نص: نص واحد نظري وعشرة نصوص وأجزاء نصوص قصصية، تتوزع بدورها على خانات ديداكتيكية متنوعة، من النص النموذج، الأساسي والمحتفى به إلى النص التطبيقي ونص التعبير والإنشاء.
النصوص النموذجية ثلاثة كلها لكتاب مغاربة: نص نظري لأحمد المديني ونصان إبداعيان لكل من محمد إبراهيم بوعلو وأحمد بوزفور. والنصوص الأخرى مغربية في معظمها لمبارك ربيع، محمد زفزاف، ربيعة ريحان، خناثة بنونة.. مقابل نصيين عربيين. ولعل أية نظرة إحصائية بسيطة تبين أن النص المغربي بعدد تسعة نصوص من أحد عشرة نصا أي بنسبة 81.81/100، مقابل نسبة 18.18/100 للنص المشرقي، وهي نفس النسبة – يا للمكر- التي تشكلها النصوص النسائية.
وإذا ارتأينا أن هناك مجهودا محمودا قد بذل في المقرر من أجل التعريف بالقصة وآليات مقاربتها، فلعل ما قد يعاب عليه بعض التقصير المنهجي المتمثل في غياب التاريخ، أي غياب ربط القصة بجذورها الغربية والعربية لدى الرواد الأوائل، الشئ الذي يمكن المتعلم من لمس سمات الثابت والمتغير، والتطور الذي شهده هذا الجنس السردي عبر تاريخه الموزع بين سن الضوابط وتجاوزها.
هل يحق لنا أن نبحث في أوجه الخطر الذي قد يتهدد الأدب في المدرسة المغربية، إسوة بما جنح إليه تودوروف وهو ينتقد تدريس الأدب في المدرسة الفرنسية؟ أم أن طرحه ينطوي على عسف ومغالاة كما ارتأى ذلك عبد الرحيم جيران في كتابه الذي خصصه للرد على تودوروف وتفنيد أطارحه؟(3).
كيفما كان الحال، لا يمكن الحديث عن تدريس القصة، والأدب عموما في المدرسة المغربية، دون الحديث عن الأدب كشعبة ومسلك دراسيين بالثانوي التأهيلي.. أي دون الحديث عن التوجيه كسيرورة دينامية وتربية على الاختيار تتيح للمتعلم أن يتموقع دراسيا ثم مهنيا حيث يرغب. لولا أن تلك المرغوبية يعتريها الوهن الذي يصيب واقع تدريس الشعبة الأدبية وآفاقها، إذ كيف نجعل المتعلم يحب الأدب ويقبل عليه اختيارا، في مدرسة وواقع مجتمعي كل ما فيهما يحقر الأدب؟
---------------------------------------


هوامش:

*ألقيت هذه المداخلة في الملتقى القصصي الأول الذي نظمته إعدادية الشهيد المكي بمدينة برشيد في موضوع القصة القصيرة في المقرر الدراسي المغربي".
(1)  "الأساسي في اللغة العربية" السنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي – مكتبة المعارف. و "الممتاز في اللغة العربية" السنة الثانية من سلك البكالوريا سلك الآداب والعلوم الإنسانية - مكتبة الأمة.
(2) سلسلة التكوين التربوي 3 (أهمية سوسيولوجيا التربية....)- مطبعة النجاح الجديدة ص:42.

(3) انظر كتاب "الأدب في خطر" تزفيتان تودوروف ترجمة عبد الكبير الشرقاوي – دار توبقال للنشر الدار البيضاء. وكتاب "إدانة الأدب" عبد الرحيم جيران – مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire