التقديم والتأخير والرمز في (الرقص تحت المطر) لحسن البقالي
محمد داني
- التقديم والتأخير:
تتميز قصص المجموعة (الرقص تحت المطر) باشتمالها على تقنية جمالية ، بلاغية وأسلوبية، وهي التقديم والتأخير.
وقد اعتمد الأديب حسن البقالي هذه التقنية البلاغية لأسباب ،من خلالها غير في ترتيب الجملة الموظفة في قصصه... ومن بين هذه الأسباب، نجد أهمها: هو محاولة شد انتباه المتلقي إلى الأمر الخطير والهام، الذي تتضمنه القصة .. ويضخم من حجمها ، معتمدا على مبدإ التضخيم والتهويل... ملفتا انتباهه إلى الوقوف عند الفكرة المتضمنة، والغوص ما وراء سطور القصة لاستجلاء المضمون الهام الذي يريد إبلاغه إليه.. ولذا عمد في تقديمه للمتلقي على التقديم والتأخير...
ونرى هذا جليا في قصته (أنا فريديريش ماور أريد...) والتي مارس فيها الحذف أولا، ثم التقديم والتأخير ثانية...
وعندما نتمعن هذه القصة ، نجدها تفتتح بجملة فعلية(فتح الباب فبادره القادم من بعيد)..هذه الجملة الفعلية توقفنا على مشهد من خلالها نتبين طارقا يسأل صاحب الدار هل هو المسمى فريديريش ماور.. والذي نشر إعلانا على النت...
ولو حاولنا التمحيص في هذه الافتتاحية ، نجد أنها قد اختصرت كلاما كثيرا.. ووصفا سرديا ، لو أثبته حسن البقالي لاعتبر حشوا، وإطالة زائدة...
ماذا يحدث بعد هذا السؤال؟...
فيديريش ماور يدخل هذا الطارق، يوثقه ، ثم يبدأ في التهام لحمه... والغريب أن الطارق لم يحتج ولم يصرخ، ولم يبد ألما... بل كان ينظر إلى موثقه بود، وامتنان... كأنه يشكره على تعذيبه ، وتقتيله له... وهنا ينبهنا الكاتب بطريقة ضمنية إلى ظاهرة التقتيل الجماعي، وحب الموت،والعذاب، والتعذيب... وهو موقف تتجلى في الماشوسية والسادية...
كما نستشف من خلال القصة ، أن الكاتب ينبهنا إلى أمر عظيم وخطير في نفس الوقت.. مس الإنسانية جمعاء.. وهي عملية التقتيل الجماعي، التي يتم من خلالها قتل آلاف الأبرياء.. والذين يعرفون أنهم معرضون إلى الموت ورغم ذلك يقبلون عليه...
ويمكن التذكير هنا ب(جيم جونز) الذي قاد أكبر عملية انتحار جماعي بمعبد الشعوب، بجونز طاون في 18 نوفمبر 1978... والهجوم على مترو الأنفاق زارينوف بطوكيو من طرف طائفة أوم شينريكيو، بواسطة الغازات السامة... ومذبحة دير القاسم بفلسطين، وصبرا وشاتيلا... وغيرها... من المذابح التي راح ضحيتها مئات الأبياء...
وهذه القصة (أنا فريديرش ماور أريد...)، قد انبنت على التقديم والتأخير.. فنهايتها أصبحت هي مقدمتها، ومقدمتها أصبحت نهايتها... وهذا أعطى للقصة بعدها الفني والجمالي... ودفع بالمتلقي إلى محاولة إعادة ترتيب القصة.
لكن لم قام حسن البقالي بهذا التقديم والتأخير والتغيير في ترتيب القصة؟..
لو كتب القصة كما كان يجب أن تكون..لأصبحت القصة عبارة عن سرد عاد يتضمن خبا... أو تحولت إلى قصة تسجيلية، أو قصة وثيقة(وثائقية)...
ولكنه عمد إلى هذه التقنية ليزيد من بريقها، ويقوي من توهجها.. وينبه إلى أن العالم المعاصر يقوم على التناقض، والمواقف الغريبة والساخرة... وأن الرغبة أحيانا تذهب بصاحبها إلى حتفه وهو يدري ذلك...
وفي قصته (توهان)، نجده أسسها على تقنيتي الحذف والتقديم والتأخير.. وهذا ما جعل القصة تمتاز ببريقها ، وجماليتها وفنيتها...
كيف كانت القصة في الأصل؟...
القصة كانت في مخيال الكاتب على هذا الشكل – ونستسمح الكاتب سي حسن البقالي في هذا التصرف- (بضع نحلات ضيعت لغة الجهات.. وظلت تحوم في البراري، لأن مصنع الكيماويات ألهب نومها بالكوابيس وضيع كل الحواس)...
ولكن قدمها على الشكل الذي أمامنا بالمجموعة.. وبالتالي أصبحت البداية نهاية، والنهاية بداية... لينبهنا كمتلقين إلى أمر خطير طبع الحياة المعاصرة.. وهو هذا التصحر الإسمنتي الذي غزا الأرض... وبالتالي تكاثر العمران، وازدياد النمو الديمغرافي، والتطور العلمي.. ينتج عنه تطور التصنيع...ومن ثمة تلوث البيئة، وانحسار المجال الطبيعي، وانقراض البراري والمروج.. هذا ينتج عنه اختلال طبيعي ، وحيواني وبيئي.. فالنحل الذي كان يتجول بحثا عن الأزهار ليمتص رحيقها ، لم يعد يجد شيئا..كما أن تلوث الهواء والماء والتربة، وما تطرحه المصانع من سموم، وغازات، وكيماويات جعل النحلة تعيش محنة كبيرة، أكثرت من كوابيسها،وتوترها...وهذا سبب لها خللا في جهازها العصبي، فأتلفت الجهات والمكان...وبالتالي لم تعد قادرة على إنتاج العسل..وأصبحت مهددة بالانقراض لانحسار دورها البيولوجي...
تتميز قصص المجموعة (الرقص تحت المطر) باشتمالها على تقنية جمالية ، بلاغية وأسلوبية، وهي التقديم والتأخير.
وقد اعتمد الأديب حسن البقالي هذه التقنية البلاغية لأسباب ،من خلالها غير في ترتيب الجملة الموظفة في قصصه... ومن بين هذه الأسباب، نجد أهمها: هو محاولة شد انتباه المتلقي إلى الأمر الخطير والهام، الذي تتضمنه القصة .. ويضخم من حجمها ، معتمدا على مبدإ التضخيم والتهويل... ملفتا انتباهه إلى الوقوف عند الفكرة المتضمنة، والغوص ما وراء سطور القصة لاستجلاء المضمون الهام الذي يريد إبلاغه إليه.. ولذا عمد في تقديمه للمتلقي على التقديم والتأخير...
ونرى هذا جليا في قصته (أنا فريديريش ماور أريد...) والتي مارس فيها الحذف أولا، ثم التقديم والتأخير ثانية...
وعندما نتمعن هذه القصة ، نجدها تفتتح بجملة فعلية(فتح الباب فبادره القادم من بعيد)..هذه الجملة الفعلية توقفنا على مشهد من خلالها نتبين طارقا يسأل صاحب الدار هل هو المسمى فريديريش ماور.. والذي نشر إعلانا على النت...
ولو حاولنا التمحيص في هذه الافتتاحية ، نجد أنها قد اختصرت كلاما كثيرا.. ووصفا سرديا ، لو أثبته حسن البقالي لاعتبر حشوا، وإطالة زائدة...
ماذا يحدث بعد هذا السؤال؟...
فيديريش ماور يدخل هذا الطارق، يوثقه ، ثم يبدأ في التهام لحمه... والغريب أن الطارق لم يحتج ولم يصرخ، ولم يبد ألما... بل كان ينظر إلى موثقه بود، وامتنان... كأنه يشكره على تعذيبه ، وتقتيله له... وهنا ينبهنا الكاتب بطريقة ضمنية إلى ظاهرة التقتيل الجماعي، وحب الموت،والعذاب، والتعذيب... وهو موقف تتجلى في الماشوسية والسادية...
كما نستشف من خلال القصة ، أن الكاتب ينبهنا إلى أمر عظيم وخطير في نفس الوقت.. مس الإنسانية جمعاء.. وهي عملية التقتيل الجماعي، التي يتم من خلالها قتل آلاف الأبرياء.. والذين يعرفون أنهم معرضون إلى الموت ورغم ذلك يقبلون عليه...
ويمكن التذكير هنا ب(جيم جونز) الذي قاد أكبر عملية انتحار جماعي بمعبد الشعوب، بجونز طاون في 18 نوفمبر 1978... والهجوم على مترو الأنفاق زارينوف بطوكيو من طرف طائفة أوم شينريكيو، بواسطة الغازات السامة... ومذبحة دير القاسم بفلسطين، وصبرا وشاتيلا... وغيرها... من المذابح التي راح ضحيتها مئات الأبياء...
وهذه القصة (أنا فريديرش ماور أريد...)، قد انبنت على التقديم والتأخير.. فنهايتها أصبحت هي مقدمتها، ومقدمتها أصبحت نهايتها... وهذا أعطى للقصة بعدها الفني والجمالي... ودفع بالمتلقي إلى محاولة إعادة ترتيب القصة.
لكن لم قام حسن البقالي بهذا التقديم والتأخير والتغيير في ترتيب القصة؟..
لو كتب القصة كما كان يجب أن تكون..لأصبحت القصة عبارة عن سرد عاد يتضمن خبا... أو تحولت إلى قصة تسجيلية، أو قصة وثيقة(وثائقية)...
ولكنه عمد إلى هذه التقنية ليزيد من بريقها، ويقوي من توهجها.. وينبه إلى أن العالم المعاصر يقوم على التناقض، والمواقف الغريبة والساخرة... وأن الرغبة أحيانا تذهب بصاحبها إلى حتفه وهو يدري ذلك...
وفي قصته (توهان)، نجده أسسها على تقنيتي الحذف والتقديم والتأخير.. وهذا ما جعل القصة تمتاز ببريقها ، وجماليتها وفنيتها...
كيف كانت القصة في الأصل؟...
القصة كانت في مخيال الكاتب على هذا الشكل – ونستسمح الكاتب سي حسن البقالي في هذا التصرف- (بضع نحلات ضيعت لغة الجهات.. وظلت تحوم في البراري، لأن مصنع الكيماويات ألهب نومها بالكوابيس وضيع كل الحواس)...
ولكن قدمها على الشكل الذي أمامنا بالمجموعة.. وبالتالي أصبحت البداية نهاية، والنهاية بداية... لينبهنا كمتلقين إلى أمر خطير طبع الحياة المعاصرة.. وهو هذا التصحر الإسمنتي الذي غزا الأرض... وبالتالي تكاثر العمران، وازدياد النمو الديمغرافي، والتطور العلمي.. ينتج عنه تطور التصنيع...ومن ثمة تلوث البيئة، وانحسار المجال الطبيعي، وانقراض البراري والمروج.. هذا ينتج عنه اختلال طبيعي ، وحيواني وبيئي.. فالنحل الذي كان يتجول بحثا عن الأزهار ليمتص رحيقها ، لم يعد يجد شيئا..كما أن تلوث الهواء والماء والتربة، وما تطرحه المصانع من سموم، وغازات، وكيماويات جعل النحلة تعيش محنة كبيرة، أكثرت من كوابيسها،وتوترها...وهذا سبب لها خللا في جهازها العصبي، فأتلفت الجهات والمكان...وبالتالي لم تعد قادرة على إنتاج العسل..وأصبحت مهددة بالانقراض لانحسار دورها البيولوجي...
نجد الكاتب حسن البقالي يعتمد الرمز في كتابته القصصية .. ففي قصته القصيرة
جدا ( نجدة) والتي يقول فيها:
"الشمس ساطعة بقوة، وجسد الماء بض خصيب.. نسيت أني لا أحسن العوم، فارتميت ..
ابتدأت تشنجات الجسد والحركات الفاضحة للهلع الذي حل.. واحتلني ندم طارئ على أشياء كثيرة فعلتها وأخرى كان علي فعلها.. وفي لحظة خلتها الأخيرة.. بدا أن الشمس تودعني بغمزة ساخرة... لكن الفاتنة التي كانت في الماء...ألقمت يدي نهديها فطفوت"...
نجد الكاتب في هذه القصة والتي تبين صورتها السطحية عن مشهد عادي..نألفه بشواطئنا وأنهارنا وبحيراتنا المغربية... وهو الإقبال على العوم والاستمتاع بالماء ، وتعرض المقبل على العوم للغرق...
لكن الكاتب لا يريد هذه الصورة السطحية.. بل يريد عميقها... إنه لتجربته الحياتية، وتمعنه في هذه الدنيا وما تحب لبه من تناقضات.. يجد أن الإنسان المعاصر في صراع دائم مع الحياة.. أحيانا تقهره محنها. فيغرق أو يكاد يغرق.... ولكن أحيانا تلين ن وتعطف في يديه.. فيطفو ، وفي طفوه يتمتع بالحياة الدنيا الفاتنة...
هكذا هي الحياة، ولذا نجده يرمز في هذه القصة للإنسان وشقائه، بهذا البطل الذي وقف أمام الماء وبه رغبة في خوض غماره... والانتعاش به.. ورمز للدنيا بالبحر أو النهر أو البحيرة(الماء).. وللسعادة وفتنتها وملاذها بالمرأة ومفاتنها .. ورمز للحياة والسعادة بالطفو والتمسك بنهد الدنيا (المرأة.)..رمز لحبه لهذه الدنيا وتعلقه بها.. وبفتنتها...
وفي قصته (حجرة نوم)، والتي يقول فيها:"سقطت في يدي تفاحة ن فشطرتها نصفين: واحد أبيض والآخر أسود.. ثم انحشرت بينهما ونمت...
منذ مئات السنين وأنا نائم.. بين الشخير والشخير أفتح عينا واحدة أرقب إزهار حقول الآخرين، وأنتظر من يوقظني..ني...نيني..".
في هذه القصة القصيرة جدا، يمكن أن نتبين الرمزية الموظفة فيها.. إن الأرض كروية الشكل تقريبا(إهليجية).. الجهة المقابلة للشمس تكون في حالة إضاءة( نهار)...والجهة الخلفية تكون في حالة إظلام (ليل)... ولذا نجد الكاتب يرمز إلى الأرض بالتفاحة، ويرمز إلى النهار بالنصف الأبيض ، وإلى الليل بالنصف الأسود...فالأرض خاضعة لزمان دقيق، ومحدد.. وهو تعاقب الليل والنهار، وتعاقب الفصول الأربعة.. والكائنات كلها خاضعة لهذا التعاقب، ومتكيفة معه...
وعندما نقف إلى قصته( كلمات)، والتي تقول:"1- وضعت الكلمة خلف الكلمة وكونت قطارا من الكلمات .. كان قطارا ضاجا بالأصوات فلم يركبه أحد..
2- وجد نفسه يتنحى جانبا كي يفسح الطريق... الفكرة المارة بدت خطيرة جدا فخشي أن تدهسه.
3- في تلك الليلة .. رأيت نهر اللغة جف من ماء الأبجدية.. فصعقت...
4- أتلفوا العلامات وقالوا: شق طريقك...
....................................................
ها إني أحث الخطى تدفعني الريح إلى الهاوية"...
في هذه القصة القصيرة جدا.. نجد الكاتب حسن البقالي يوظف فيه أيضا الرمز.. فهو يطرح لنا فكرة ثقافية يعانيها الكتاب اليوم.. وتتعلق بعالمهم الإبداعي وعلاقتهم بالمتلقي... إنها تتضمن سؤالا: لم نكتب؟ ولمن نكتب؟.. ومن يقرأ ما نكتب؟..
إنه ينبهنا إلى أمر خطير، ومعضلة ثقافية أصبحت تهدد اليوم الإبداع.. وتضعه في مفترق الطرق.. منبها وبشدة إلى أزمة التلقي، والقراءة التي أصبحت ميزة العصر...
إن الكتابة تجربة ومغامرة محفوفة بالمخاطر... لا توصل إلا إلى الهاوية.. ولذا الكاتب أمام هذا الموضوع الخطر، التجأ إلى الرمز ليكون أكثر تأثيرا، وأكثر فاعلية مما لو كانت كتبت كتابة مباشرة...
فنجده يرمز للكتابة/ الجملة بالقطار، والحاملة للفكرة والموضوع والمعنى... ولقوتها ووهجها يرمز إلى ذلك بالضجيج والصخب والصوت... ولكن لا أحد يقرأ ذلك.. ولا نقد يساير هذه الكتابة.. ويقيمها...
وأمام تجاهل المتلقي ، يلجأ الكاتب إلى الصمت والتوقف قليلا.. لكن هوس الإبداع يدفعه إلى استئناف الكتابة... لكن الذي يصدمه هو انه يرى كتابات بدأت تستشري محتلة مواقع مهمة .. خالية من أي إبداع ، ومن أي فكر ... وقد رمز إلى ذلك بنهر اللغة ، وجفافه.. ونضوبه من ماء الأبجدية...وهذا ما ما أضفى على القصة بعض الجمالية، والدلالة التي لا تخلو من فنية...
"الشمس ساطعة بقوة، وجسد الماء بض خصيب.. نسيت أني لا أحسن العوم، فارتميت ..
ابتدأت تشنجات الجسد والحركات الفاضحة للهلع الذي حل.. واحتلني ندم طارئ على أشياء كثيرة فعلتها وأخرى كان علي فعلها.. وفي لحظة خلتها الأخيرة.. بدا أن الشمس تودعني بغمزة ساخرة... لكن الفاتنة التي كانت في الماء...ألقمت يدي نهديها فطفوت"...
نجد الكاتب في هذه القصة والتي تبين صورتها السطحية عن مشهد عادي..نألفه بشواطئنا وأنهارنا وبحيراتنا المغربية... وهو الإقبال على العوم والاستمتاع بالماء ، وتعرض المقبل على العوم للغرق...
لكن الكاتب لا يريد هذه الصورة السطحية.. بل يريد عميقها... إنه لتجربته الحياتية، وتمعنه في هذه الدنيا وما تحب لبه من تناقضات.. يجد أن الإنسان المعاصر في صراع دائم مع الحياة.. أحيانا تقهره محنها. فيغرق أو يكاد يغرق.... ولكن أحيانا تلين ن وتعطف في يديه.. فيطفو ، وفي طفوه يتمتع بالحياة الدنيا الفاتنة...
هكذا هي الحياة، ولذا نجده يرمز في هذه القصة للإنسان وشقائه، بهذا البطل الذي وقف أمام الماء وبه رغبة في خوض غماره... والانتعاش به.. ورمز للدنيا بالبحر أو النهر أو البحيرة(الماء).. وللسعادة وفتنتها وملاذها بالمرأة ومفاتنها .. ورمز للحياة والسعادة بالطفو والتمسك بنهد الدنيا (المرأة.)..رمز لحبه لهذه الدنيا وتعلقه بها.. وبفتنتها...
وفي قصته (حجرة نوم)، والتي يقول فيها:"سقطت في يدي تفاحة ن فشطرتها نصفين: واحد أبيض والآخر أسود.. ثم انحشرت بينهما ونمت...
منذ مئات السنين وأنا نائم.. بين الشخير والشخير أفتح عينا واحدة أرقب إزهار حقول الآخرين، وأنتظر من يوقظني..ني...نيني..".
في هذه القصة القصيرة جدا، يمكن أن نتبين الرمزية الموظفة فيها.. إن الأرض كروية الشكل تقريبا(إهليجية).. الجهة المقابلة للشمس تكون في حالة إضاءة( نهار)...والجهة الخلفية تكون في حالة إظلام (ليل)... ولذا نجد الكاتب يرمز إلى الأرض بالتفاحة، ويرمز إلى النهار بالنصف الأبيض ، وإلى الليل بالنصف الأسود...فالأرض خاضعة لزمان دقيق، ومحدد.. وهو تعاقب الليل والنهار، وتعاقب الفصول الأربعة.. والكائنات كلها خاضعة لهذا التعاقب، ومتكيفة معه...
وعندما نقف إلى قصته( كلمات)، والتي تقول:"1- وضعت الكلمة خلف الكلمة وكونت قطارا من الكلمات .. كان قطارا ضاجا بالأصوات فلم يركبه أحد..
2- وجد نفسه يتنحى جانبا كي يفسح الطريق... الفكرة المارة بدت خطيرة جدا فخشي أن تدهسه.
3- في تلك الليلة .. رأيت نهر اللغة جف من ماء الأبجدية.. فصعقت...
4- أتلفوا العلامات وقالوا: شق طريقك...
....................................................
ها إني أحث الخطى تدفعني الريح إلى الهاوية"...
في هذه القصة القصيرة جدا.. نجد الكاتب حسن البقالي يوظف فيه أيضا الرمز.. فهو يطرح لنا فكرة ثقافية يعانيها الكتاب اليوم.. وتتعلق بعالمهم الإبداعي وعلاقتهم بالمتلقي... إنها تتضمن سؤالا: لم نكتب؟ ولمن نكتب؟.. ومن يقرأ ما نكتب؟..
إنه ينبهنا إلى أمر خطير، ومعضلة ثقافية أصبحت تهدد اليوم الإبداع.. وتضعه في مفترق الطرق.. منبها وبشدة إلى أزمة التلقي، والقراءة التي أصبحت ميزة العصر...
إن الكتابة تجربة ومغامرة محفوفة بالمخاطر... لا توصل إلا إلى الهاوية.. ولذا الكاتب أمام هذا الموضوع الخطر، التجأ إلى الرمز ليكون أكثر تأثيرا، وأكثر فاعلية مما لو كانت كتبت كتابة مباشرة...
فنجده يرمز للكتابة/ الجملة بالقطار، والحاملة للفكرة والموضوع والمعنى... ولقوتها ووهجها يرمز إلى ذلك بالضجيج والصخب والصوت... ولكن لا أحد يقرأ ذلك.. ولا نقد يساير هذه الكتابة.. ويقيمها...
وأمام تجاهل المتلقي ، يلجأ الكاتب إلى الصمت والتوقف قليلا.. لكن هوس الإبداع يدفعه إلى استئناف الكتابة... لكن الذي يصدمه هو انه يرى كتابات بدأت تستشري محتلة مواقع مهمة .. خالية من أي إبداع ، ومن أي فكر ... وقد رمز إلى ذلك بنهر اللغة ، وجفافه.. ونضوبه من ماء الأبجدية...وهذا ما ما أضفى على القصة بعض الجمالية، والدلالة التي لا تخلو من فنية...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire