الرحلة الأخيرة إلى الجبل
كانا يسيران جنبا إلى جنب عجوزين هدهما رحيل
العمر.المدينة انطفأت و الأشجار مدت عروشها جنب الطريق..طريق للشوك و العطش،
للمقالب و الفوازير المرة.تمتد إلى الخلف و تنحسر أماما كألق اللحظة الأخيرة.لا
أثر للمدينة الآن،لا أثر لشيء آخر.وقع خطوات مثقلة بالتعب..أشجار تمد أيديها
الجارحة، و طيور تحلم بزمان ما..زمن للدفء و الانطلاق الحر.
حلق الطائر
الرمادي قليلا، ثم حط على غصن مائل و نظر إلى الشمس: كانت امرأة هرمة محروقة
الصدغين، و الكلب العجوز يلتصق بالرجل و يلحس رجله تعبيرا عن شيء ما لعل الرجل
أدركه فنظر أماما حيث تنتهي الطريق و يبدأ الجبل.
" كانت ميمونة شجرة خضراء. كانت فارعة مورقة ،شجرة
سامقة.و ميمونة سقطت.مثل اتهام باطل سقطت، و بقي المدى مسكونا بالفجيعة ".
الأشجار تتهامس بسر ما و تترقب. و في مكان غير بعيد تركض
جياد نافرة يصل النقع إلى عين الشمس و يصيبها بالرمد.
شمس صفراء ذاوية تنظر إلى الأسفل و تلعن كل المدارات.نظر
إليها الطائر الرمادي وضحك شامتا رف بجناحيه في نشوة و رأى أنه سمكة سابحة. ود
الكلب لو انه حط ليلقمه و تابعه لحظات، ثم انتبه إلى جسمه الذي لم يعد يطاوعه،
الجسم الواهن النحيف، فالتصق بالرجل لحس رجله في ود " ضعف الكلب و شاخ. شخت
أيضا و ضعفت، عجوزان نحن و ضعيفان و الجبل أمامنا شامخ، سنستريح هنا. الكلب يلهث و
خارت قواي، نستريح في سفح الجبل ".
الطريق محفرة وعرة و الجبل هناك جالس القرفصاء، ينتظر في
صبر عنكبوتا هرما. نسيج الخيوط يحتل المدى و الطنين المقترب ينشر رائحة الموت. هل
نحن ذبابتان؟ سأل الرجل و رفع الكلب رجلا و تبول.
" و أحمد يسعل بشدة و يشد على صدره، يكاد الصدر
يتمزق و ميمونة تتحرق و تنشج بالبكاء المر. يسعل أحمد و ميمونة تنشج و الخيط
المشدود إلى السقف يتدلى ".
عندما تصبح الشمس حمراء سنصل.لونها الآن يتدرج من الصفرة
الى حمرة خفيفة و الطائر الرمادي الذي يتهيأ للنوم الآن بقي هناك بحضن أخر شجرة
جازها العجوزان. هزت عروشها في اتجاهها و بكت. كان قلبها كبيرا و قلب ميمونة كان
أكبر.ميمونة راحت و الأرض هنا عارية محدودبة و الجبل القاسي ينتظر يتدحرج الرجل في
اتجاهه و الكلب يلهث جانبه، يحتك به، و يلهث، يشهق و يلحس رجله، الرجل التي تعبت،
رجل الرجل المثخن بالندوب.
" نعرف أنه مريض لكن العلاج يحتاج الى تكاليف، قال
هذا و مضى.حتى كلمة أسف، لا.بذرة حزن، لا.أن السرير و صرت الباب و ابتهلت ميمونة.
لكن أحمد راح، راح.انطفأت المدينة و بقي المدى الطافح بالألم ".
أيها المدى
أيتها النار التي تبلع المدى و تحرق الشجر
أيها الزمن اللاصق بالأصابع كالجرب.
ايها الجبل، ايتها الأرض، ايتها الشمس،الطيور
، ووحوش البرية، ايتها الخطوات المتعبة، أيها النداء، الذي لا يسمعه أحد: ماذا
يبقى الآن من الأشياء في؟ وصلنا إلى السفح أنا الذي يجرجر تاريخ البؤس و كلبي
الهرم صورتي المعكوسة في المرآة. وصلنا أيها الكلب. الشمس حمراء الآن و متأهبة
للانطفاء.
المدينة انطفأت.
و القلب انطفأ.
لا أحد هناك، لا أحد هنا سوى صورتين: صورة
للموت و أخرى للموتى.
" ميمونة راحت.شهرت
سيف الحداد و رسمت خارطة الأيام بلون الثكل. أحبت أحمد و أحمد راح، الابن الوحيد
لشجرة أعطت بلا حدود، شجرة خضراء سامقة ".
الجبل لم يعد مقرفصا، جلس الأربعاء و رنا إلى
العجوزين.كانا في غاية التعب و كان للمساء جفن متقرح اندلقت منه الشمس كدمعة أخيرة
و لبس الزمن ثوب أغنية حزينة.ينظر الرجل إلى الكلب و الكلب إلى الرجل و الجبل يرنو
إليهما معا و المدى شاسع، آه يا مدى ما لون الردى؟
ظلال الليل بدأت تغطي الأشياء و الريح تنوح بين الحجارة و في مكان
عار عند قدم الجبل، ممسوح برائحة الجهات، استلقى الرجل في هدوء و اقعد الكلب
قربه.رجل متعب ووحيد و كلب عجوز : جسدان في لحظة انطفاء.
" و الشجرة التي كانت خضراء سامقة
اكتحلت دواخلها بالدخان و جف فيها النسغ. لم تنثن و لم تترنح ظلت واقفة في شموخ و
عيناها تحملقان في الأفق حادتين و متوهجتين.. لم يكن يبدو أنها ماتت".
و كان هو رجلا وحيدا في المدينة التي تعرت،
المدينة التي تعرت، المدينة البشعة، قال للكلب : كل هذه الأشياء كذبة الأضواء و
الضحكات و فقاعات الكلام. قال له : لا مكان لنا هنا. انطفأ توهج الأشياء و ابتدأت
معانقة الطرق الطويلة.
و كان متعبين. استلقيا جنبا إلى جنب و ناما.
و في الصباح حين ربتت الشمس على ظهر الجبل سمع عواء حادا متداخلا. فرك عينيه و رأى
: كان هناك رهط كلاب ترقص للكلب رقصة الموت و تحضنه بالنظرات أما الرجل فقد ظل
وحيدا.
كان هناك بلا حراك، لكن العينين كانتا
مسكونتين بوهج أخضر له شكل إمرأة لها تفريعة شجرة.
سبعة أجراس
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire