lundi 1 février 2016

الرحلة الأخيرة إلى الجبل                  



كانا يسيران جنبا إلى جنب عجوزين هدهما رحيل العمر.المدينة انطفأت و الأشجار مدت عروشها جنب الطريق..طريق للشوك و العطش، للمقالب و الفوازير المرة.تمتد إلى الخلف و تنحسر أماما كألق اللحظة الأخيرة.لا أثر للمدينة الآن،لا أثر لشيء آخر.وقع خطوات مثقلة بالتعب..أشجار تمد أيديها الجارحة، و طيور تحلم بزمان ما..زمن للدفء و الانطلاق الحر.
 حلق الطائر الرمادي قليلا، ثم حط على غصن مائل و نظر إلى الشمس: كانت امرأة هرمة محروقة الصدغين، و الكلب العجوز يلتصق بالرجل و يلحس رجله تعبيرا عن شيء ما لعل الرجل أدركه فنظر أماما حيث تنتهي الطريق و يبدأ الجبل.
" كانت ميمونة شجرة خضراء. كانت فارعة مورقة ،شجرة سامقة.و ميمونة سقطت.مثل اتهام باطل سقطت، و بقي المدى مسكونا بالفجيعة ".
الأشجار تتهامس بسر ما و تترقب. و في مكان غير بعيد تركض جياد نافرة يصل النقع إلى عين الشمس و يصيبها بالرمد.
شمس صفراء ذاوية تنظر إلى الأسفل و تلعن كل المدارات.نظر إليها الطائر الرمادي وضحك شامتا رف بجناحيه في نشوة و رأى أنه سمكة سابحة. ود الكلب لو انه حط ليلقمه و تابعه لحظات، ثم انتبه إلى جسمه الذي لم يعد يطاوعه، الجسم الواهن النحيف، فالتصق بالرجل لحس رجله في ود " ضعف الكلب و شاخ. شخت أيضا و ضعفت، عجوزان نحن و ضعيفان و الجبل أمامنا شامخ، سنستريح هنا. الكلب يلهث و خارت قواي، نستريح في سفح الجبل ".
الطريق محفرة وعرة و الجبل هناك جالس القرفصاء، ينتظر في صبر عنكبوتا هرما. نسيج الخيوط يحتل المدى و الطنين المقترب ينشر رائحة الموت. هل نحن ذبابتان؟ سأل الرجل و رفع الكلب رجلا و تبول.
" و أحمد يسعل بشدة و يشد على صدره، يكاد الصدر يتمزق و ميمونة تتحرق و تنشج بالبكاء المر. يسعل أحمد و ميمونة تنشج و الخيط المشدود إلى السقف يتدلى ".
عندما تصبح الشمس حمراء سنصل.لونها الآن يتدرج من الصفرة الى حمرة خفيفة و الطائر الرمادي الذي يتهيأ للنوم الآن بقي هناك بحضن أخر شجرة جازها العجوزان. هزت عروشها في اتجاهها و بكت. كان قلبها كبيرا و قلب ميمونة كان أكبر.ميمونة راحت و الأرض هنا عارية محدودبة و الجبل القاسي ينتظر يتدحرج الرجل في اتجاهه و الكلب يلهث جانبه، يحتك به، و يلهث، يشهق و يلحس رجله، الرجل التي تعبت، رجل الرجل المثخن بالندوب.
" نعرف أنه مريض لكن العلاج يحتاج الى تكاليف، قال هذا و مضى.حتى كلمة أسف، لا.بذرة حزن، لا.أن السرير و صرت الباب و ابتهلت ميمونة. لكن أحمد راح، راح.انطفأت المدينة و بقي المدى الطافح بالألم ".
أيها المدى
أيتها النار التي تبلع المدى و تحرق الشجر
أيها الزمن اللاصق بالأصابع كالجرب.
ايها الجبل، ايتها الأرض، ايتها الشمس،الطيور ، ووحوش البرية، ايتها الخطوات المتعبة، أيها النداء، الذي لا يسمعه أحد: ماذا يبقى الآن من الأشياء في؟ وصلنا إلى السفح أنا الذي يجرجر تاريخ البؤس و كلبي الهرم صورتي المعكوسة في المرآة. وصلنا أيها الكلب. الشمس حمراء الآن و متأهبة للانطفاء.
المدينة انطفأت.
و القلب انطفأ.
لا أحد هناك، لا أحد هنا سوى صورتين: صورة للموت و أخرى للموتى.
" ميمونة راحت.شهرت سيف الحداد و رسمت خارطة الأيام بلون الثكل. أحبت أحمد و أحمد راح، الابن الوحيد لشجرة أعطت بلا حدود، شجرة خضراء سامقة ".
الجبل لم يعد مقرفصا، جلس الأربعاء و رنا إلى العجوزين.كانا في غاية التعب و كان للمساء جفن متقرح اندلقت منه الشمس كدمعة أخيرة و لبس الزمن ثوب أغنية حزينة.ينظر الرجل إلى الكلب و الكلب إلى الرجل و الجبل يرنو إليهما معا و المدى شاسع، آه يا مدى ما لون الردى؟
ظلال الليل بدأت تغطي  الأشياء و الريح تنوح بين الحجارة و في مكان عار عند قدم الجبل، ممسوح برائحة الجهات، استلقى الرجل في هدوء و اقعد الكلب قربه.رجل متعب ووحيد و كلب عجوز : جسدان في لحظة انطفاء.
" و الشجرة التي كانت خضراء سامقة اكتحلت دواخلها بالدخان و جف فيها النسغ. لم تنثن و لم تترنح ظلت واقفة في شموخ و عيناها تحملقان في الأفق حادتين و متوهجتين.. لم يكن يبدو أنها ماتت".
و كان هو رجلا وحيدا في المدينة التي تعرت، المدينة التي تعرت، المدينة البشعة، قال للكلب : كل هذه الأشياء كذبة الأضواء و الضحكات و فقاعات الكلام. قال له : لا مكان لنا هنا. انطفأ توهج الأشياء و ابتدأت معانقة الطرق الطويلة.
و كان متعبين. استلقيا جنبا إلى جنب و ناما. و في الصباح حين ربتت الشمس على ظهر الجبل سمع عواء حادا متداخلا. فرك عينيه و رأى : كان هناك رهط كلاب ترقص للكلب رقصة الموت و تحضنه بالنظرات أما الرجل فقد ظل وحيدا.
كان هناك بلا حراك، لكن العينين كانتا مسكونتين بوهج أخضر له شكل إمرأة لها تفريعة شجرة.



سبعة أجراس

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire