mardi 1 décembre 2015

الرقص في أحضان الكثافة
قراءة في " الرقص تحت المطر" للقاص المغربي حسن البقالي


مجموعة" الرقص تحت المطر" لحسن البقالي مجموعة " تغامر بالدخول في بنى جمالية مغايرة مكتنزة بالسحر والتكثيف المذهل" سمير الفيل. غلاف المجموعة.
  إن من يقف على " الرقص تحت المطر" يتمتع بلحظات لذة قراءة مميزة.قصص ساحرة مدهشة واخزة تسلط الضوء على النابض و المحير والمقلق المختل والجميل في الإنسان. يمسك حسن بشهوة القتل فينا يعريها يسخر منها يراقصها يربت عليها يموت من الضحك منها ومعها . يفلق شهوة الحب القتل، يتلمظ الماء البض والموت الغامز ويلقمنا النهود المانحة للحياة. و يصور ثأر المرأة من قارئ كف الغيب تلسعه الشهوة في نهش جسدها. يلتقط فعل الحب في الوجدان حضورا وغيابا، يمنحنا دفء لحظات منفلتة أبدا تحلق خلالها  النساء كما العصفورات تحقيقا لشاعرية الحب المفتقدة، والحلم يحول المتحابين ماء زلالا وحب رمان وسهما يفترع التفاحة، ورقص العانس، بإيحاء من لوحة " ما جريت"، تحت المطر تشفي غليلها من الظمأ المشتعل للرجال الذين غابوا. يغرف من عالم الأطفال الحلو والمر، حيث مداعبتهم للحن هواء التسامح، ووخز الأسئلة الرغبات المكتنزة في عيونهم، وحلم الطفلة بأمومة ندية مفتقدة. يعري الرسمي السياسي والأمني ويضع اليد على تعريش الظلم والقهر حتى صار الطاغية يلعب مع نفسه لعبة معارضة ذاته والتسلل إلى جراحات الرعايا وإعلان الحرب على نفسه، وتواطؤ رجال الأمن على الجريمة والإغضاء عليها مقابل مظروف دافئ. يرج ماء السؤال الوجودي ولحظات المفارقة الحارقة في حياتنا الجنونية، النوم السؤال الكبير بين فلقتي التفاحة، وزحف الصراصير على الإنسان، والسفر في النفس الكون الحقيقة : الحياة فراغ يملؤه الموت، والفرار إلى الذات من عالم مختل، واللحظات الهستيرية اللامعقولة وحمى الغريزة بين نداء النجاة فرار ا من مطاردة رجال الشرطة ونداء الجسد الطازج تحت أشعة الشمس، والبوح بالإصرار على الشر الموغل فينا للغاية، والرمي بوليد شهوة عصف بها مطر  الفقر فقذف للزبالة تفترسه القطط الشرسة، وأثر النداء الساحر الموخز لذات اليد المخضبة اللايكرر، وبياض الشارع وثخونة الغياب في عيني تلك المسكونة برائحة الخزامى وقهر الشوق بلا فضلات لقاء، وذاك الذي يتوارى خلف حزمة إعاقات يتلمظ بوله ثمالة العصير، وهلوسة القرم للسيقان والأرداف  أذكاها هذيان حمى التعاسة، والحياة السمكة المبعثرة، واستباق أثر صورتك الغريبة المفارقة مربيا ومخربا ومولعا بالمؤخرات كما ستصل لخلفك. إنها قصص تفلق حقائق الغور وأسئلة مقلقة مثيرة مستلة بعناية من سراديب الأعماق الإنسانية بدهشة وجمالية فائقة.
   في هذه المجموعة يؤرخ حسن البقالي لانتقاله إلى كتابة القصة القصيرة جدا انطلاقا من القصة القصيرة، " أخيرا كتبت قصة قصيرة جدا" دمى روسية، ص 5. ويخبرنا بتحوله وإيمانه أخيرا بالقصة القصيرة جدا وحتى بالكثافة الشديدة وأصبح كاتب الصفحات العديدة يكتب أسطرا وكلمات. يقول السارد في قصة القصة والسمكة المبعثرة، ص 67-68. : " لقد صار بإمكانه أن يجزم بحقيقة يتعذر إنكارها، وهي أن جملة واحدة يمكن أن تشكل قصة، تماما مثلما يمكن لقصة أن تحاكي العالم" 
  لكن كيف رقص حسن البقالي، رقصه الأول طبعا، في حضن القصة القصيرة جدا؟ وما ملامح القصص التي كتب وهو الخبير القادم من أحواز القصة القصيرة ؟
   لقد كتب حسن البقالي فسيفساء نصوص قصصية هي في الحقيقة مرآة جلية لعمق القصة القصيرة جدا ككتابة إبداعية مفتوحة نسغها الكثافة . و يمكن اختزالها في قصص الكثافة المشتعلة وقصص الشذرة.
أولا : قصص الكثافة  المشتعلة
  قصص يكمن خلفها مفهوم واضح للكتابة السردية يقوم على نسق حكائي مكتمل وكثيف ينتظمها خيط سردي دقيق أساسه التوالي والتحول وله ملمحان.
1- القصص الصغيرة/ قصص قصيرة : أنا فريديرش ماور ص6-7 ،  شعرة الرشيد ص 22-23، نومانسلاند ص 30-31، الجثة ص 42-43،  الشرير ص 44-45، مرة أخرى ص 53-45--54 ، في ليلة باردة ص 55-56، ساعي البريدص 57-58، على الشاطئ ص 62-63، القصة والسمكة المبعثرة ص 67-68.( 10 على 58 قصة)لها سمات يمكن اختزالها في:
أ/ طويلة من حيث الحجم الذي يصل إلى صفحتين.
ب/ الاحتفال بالحكاية حيث العناصر القصصية متوفرة بصفة عامة: شخوص،زمان ، مكان، أحداث متماسكة تتلافي الفجوات كالإضمار والحذف والصمت والبياض وتستحضر سلطة القارئ ما أمكن.
ج/ لغة سردية تواصلية شفافة تحترم العلاقة التواضعية المباشرة بين الدال والمدلول إلى أقصى الحدود مع حضور محسوب ودقيق ووظيفي جمالي للغة الشعرية.
د/ سارد عليم يحكي ويفسر ويعلق وأحيانا يؤول ويقترح الفرضيات.
ه/ اعتماد تقنية الإيهام والمفاجأة بخلق أفق انتظار كميثاق قراءة مخادع يتحكم في مسارات القصة وصيروراتها و يتم تأجيل كشف حقيقته المتقصدة من القاص حتى آخر النص/ القفلة. علما أننا سنجد نفس الآلية السردية في بعض نصوص الملمح الثاني.
   هنا القصة القصيرة جدا قصة قصيرة تحكي قصة مكتملة واضحة مريحة للقارئ بعيدا عامة عما يسمى الغموض والتأويل المتعب المفتوح وكأنها تؤمن بأن معنى ما واحدا هو الذي يجب أن يخرج به القارئ في النهاية يهيمن عليها صوت السارد العليم مع حضور للغة الشعرية بجرعات متحكم فيها.
   في قصة " أنا فريديريش ماور" كنموذج تحكي القصة حكاية فريديريش الذي، من باب التندر، نشر على النت إعلانا يعبر فيه عن رغبته في أكل شخص ما. يحضر إليه رجل يرغب في أن يأكل. يستقبله فريديريش يقيده ويشرع في نثر نسيرة لحم من فخده ويشويها أمامه ثم الفخذ الثانية والذراعين وفي آخر رمق يشكره المزوشي ويعبر عن الود والامتنان. تنتهي القصة في صفحة 6 ليتدخل السارد في خمسة أسطر في ص 7 ليشرح فلسفة مدرسة التونداي البوذية وأن الرجل اعتبر أكله واحدا من الثلاثة آلاف تجل للحب. تدخل سافر للسارد طوع إرادة القاص الذي على طريقة القصة القصيرة والرواية يفسر للقارئ الفكرة التي بنيت عليها القصة. وهو ما يخف في الملمح الثاني للقصة الكثيفة.على كل فالقاص يقدم كل شيء للقارئ ولا يؤمن بتوريطه في التأويل والحفر عن الدلالات والمقاصد بنفسه.

2- قصص شديدة الكثافة/ قصص قصيرة جدا: وهي القصص المهيمنة في المجموعة.( 47 على 58 قصة)
يكتسب هذا الملمح سماته مقارنة مع الملمح السابق على أساس كمي ونوعي يمكن إيجازه كما يلي:
أ/ حجم أقصر مقارنة مع الملح السابق لا يتجاوز الصفحة الواحدة
ب/ خفوت حضور العناصر القصصية المكتملة وبخاصة الزمان والمكان والشخوص بصفة عامة مع بروز للحذف والإضمار والبياض باعتدال.
ج/ خفوت صوت السارد العليم ليعوضه سارد يضلع فقط بالحكي ممتنعا ما أمكن عن التفسير والتعلق إلا نادرا.
د/ لغة سرد شعرية تحضر فيها اللغة السردية التواصلية الشفافة واللغة الشعرية.
ه/ حضور آلية الإيهام واللعب على أفق الانتظار المشار إليها سالفا في قصص من الملمح السابق. في قصة علاقة ص 12 يخلق العنوان : علاقة وكينونات النص السردية والدلالية ومعجمه : (الترقب ورائحة العطر واحتضان الرجل للمجال ونزعها لجلبابها ورفرفة العين والاختلاجة وفك أزرار السروال واليدين الحانتين) أفق انتظار لحظة جنس ليتضح في آخر جملة في القصة/ القفلة المؤجلة بعناية تامة  أنها حقنته بإبرة ثم دعت له بالشفاء.ليعيد القارئ قراءة القصة بمنظور جديد فتصبح العلاقة غير العلاقة والرسالة غير الرسالة.
إذا أخذنا قصة " حلم" كنموذج نجد السارد يحكي ، في المقطع الأول، عن تعطل أحلامه التي فقدت ألوانها وبهاءها وصارت حلما واحدا فقط بالأبيض والأسود. مقطع سردي أول ( سطران)قائم على ثنائية الماضي/ الحاضر والآن/ الأمس. أما المقطع الثاني (سطران) فهو تفسير لماهية الحلم بالأبيض والأسود. يرى السارد نفسه في محراب عائم فوق الماء يدعو الله أن يعيد إليه القدرة على الحلم. قصة تستغور كثافة الداخل الحلمية النفسية وتوحي بالمسخ والرعب والمعاناةموظفة الترميز : الحلم، المحراب، العوم فوق الماء ( الضياع)، الإله، مما يفتح شهية القارئ للتأويل وربط الرسالة القصصية بالواقع التاريخي الحضاري والديني وتمثيل الفرد للجماعة لإصابة مقصدية القاص الذي يلمح ، وبسخرية مرةن إلى أمة ضيعت بوصلة الحلم النير المترع بالإلوان والأضواء رمز الحياة وسقطت فريسة حلم لا لون ولا طعم ولا نضارة له، لكنها رغم ذلك، ظلت لصيقة المحراب والدعاء.
 ثانيا: قصة أضمومة شذرات:
   يتعلق الأمر بنص واحد ينسكر فيه النسق الحكائي المتصل الكامل الواحد الوحيد ويبرز الانفصال والتقطع، وتصبح القصة مجموعة نصوص شذرية منفصلة فضاء حيث كل نص يحمل رقما، ومنفصلة جنسا كتابيا : قصة ميكروسكوبية شديدة الكثافة وشعر هايكو.
  يمكن إيجاز ملامح القصة الشذرية في:
أ/ القصر الشديد جدا من حيث الحجم.
ب/  لغة سردية شعرية.
ج/ ضغط الحكاية التي تتحول – على مستوى الشذرة الواحدة-  إلى أفعال تعد على رؤوس الأصابع الأهمية فيها للبداية والنهاية والمفارقة، مع غياب واضح جدا للشخوص والمكان والزمان بصفة عامة. وهو ما نتج عنه  ارتفاع مذهل للإيقاع السردي والومض والبرق والدهشة.
د/ غياب تام لصفاء النوع القصصي حيث تضامت القصة البرقية والشعر/ الهايكو في تواز وتقابل لتشييد نص مختلف كليا عما رأيناه في قصة الكثافة.
ه/ تصبح دلالة النص جدوال دلالات متحدرة من كل شذرة من الشذرات الأربع تلتقي في مجرى القصة.
و/تغير مفهوم القارئ الذي يصبح منتجا و مشاركا قويا في تشييد الدلالة ولم الشتات.
   إن مجموعة " الرقص تحت المطر" لحسن البقالي تعكس بوضوح رقص حسن الأول في حضن القصة القصيرة جدا ودرجات الكثافة وأفاعيلها وكيميائها العجيب، وإمكانات الكتابة المقصرة الهائلة. إنه الانتقال من القصة القصيرة  إلى القصيرة جدا، بل هو تجاوز الكتابة القصصية النسقية معتدلة أو شديدة الكثافة إلى القصة أضمومة شذرات بوعي وإبداعية ووظيفية.  وهو صنيع أثير لدى حسن نجده في روايته " ماء الأعماق" ، فكما أن الرواية تصبح مجموعة قصص قصيرة يلتقي فيها الدفق الروائي بالكثافة القصصية وتكون القصة القصيرة فصلا في رواية تسير على حبلي الاستقلال والاندماج، تصبح القصة القصيرة جدا مجموعة شذرات يلتقي فيها النسق السردي الكثيف جدا  بالانفصال والانقطاع الشذري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرقص تحت المطر،سندباد للنشر والإعلام2009.
انظر مدخل رواية " ماء الأعماق" لحسن البقالي.مطبعة التلمساني، فاس 2001.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire