حوارالقاص محمد البغوري مع حسن البقالي
من هو حسن البقالي؟ -
شخص اعتقد لمد طويلة أن على الكاتب أن يتحلى بقيم الأنبياء، قبل أن تثلم اعتقاده الضربات المتتالية من كتاب يعتبرون القيم النبيلة ترفا أو بلادة.
متى بدأ "حسن البقالي"كتابة القصة القصيرة جدا؟ وهل من سياق متحكم في ذلك؟ -
في الواقع ابتدأ الجنوح إلى التقصير مع بدايات الألفية الثالثة. والمراد بالتقصير هنا هو تجويع القصة القصيرة وشطف أية دهون
يحتمل أن تتسرب إليها في زمن قصر جدا الشريط الزمني المخصص فيه للقراءة. هكذا كتبت سلسلة أقاصيص تحت نفس المسمى الأكبر: "كوابيس" نشرت في الملحق الثقافي لجريدة العلم، ثم ثلاثة قصص قصيرة يمكن إدراجها تحت يافطة القصيرة جدا بمنظور ذلك الوقت الذي اتسم بوعي جنيني بخاصيات هذا الجنس الجديد لدى البعض (المرحوم المهدي الودغيري كنموذج).
لكن الوعي بالحدود والمواصفات كمنطلق لكتابة القصة القصيرة جدا لم يتأت لي إلا حين عودتي إلى الكتابة بعد غياب دام سنوات.. عودة تزامنت مع الانفتاح على الرقمي والافتراضي، وعلى اشتعال الساحة بالنصوص القصيرة جدا، المتوالدة والمتدافعة. وأعتقد أن سنة 2007 دالة في هذا السياق
ماذا يمثل لكم الأستاذ الفاضل جنس القصة القصيرة جدا؟ -
قلت ذات مرة إنها أشبه بمنديل يرسل في الريح، ذلك ان القليل منها يصادف العين العاشقة التي تنفذ إلى ما تحت الجلد، تحت البنية السطحية حيث الماء والنسغ ودبيب الحياة في الفن.. إنها ذاك الجنس الجميل الجاذب المنفلت الذي لا يقول العالم إلا مؤتزرا بالشاعرية، كي لا يسقط في الخبرية والفجاجة.. هي فن المرور العابر والانخطاف واللحظة المارقة..
لقد جربتم الكتابة في جنسي:الرواية والقصة ،إلا أن ماغلب أكثرعليكم هو :جنس القصة القصيرة جدا،فهل من تفسير لذلك؟ -
كتبت حتى الآن أربع مجاميع قصصية وثلاث مجموعات قصيرة جدا ورواية واحدة.. فالقول بأن ما يغلب علي هو القصة القصيرة جدا ليس صحيحا ، إلا لدى كتاب الزمن الرقمي الذين لم يطلعوا بشكل تام على تاريخ الأدب المغربي ولا يهتمون أساسا إلا بالقصة القصيرة جدا.. ومن جانب آخر أجزم بأن القصة القصيرة جدا جنس استحواذي أقرب إلى جنيات البحر اللواتي يجذبن البحارة إليهن فلا يفلتنهم بعد ذلك..
إن القصة القصيرة جدا تستضمر المعاني والدلالا ت أكثرما تبوحبه،فما رأي القاص حسن البقالي؟ -
في الرواية تفصيل لمجموعة أحداث، وفي القصة القصيرة تفصيل لحدث واحد، بينما القصة القصيرة جدا تلامس الحدث بالكاد. فلا وقت لديها ولا حيز لأي تفصيل.. تمر سريعا فلا يبدو إلا أثرها كخيط أبيض على الصفحة أو بقايا رغوة في الفنجان أو طعم ما على الفم. هي توحي فقط وتومئ وتستضمر إيمانا منها بأن الجزء يعبر عن الكل، وأن الظل ينبئ عن الصورة. لكن، وهي تنحو هذا المنحى تحتاج إلى يد خبيرة ذربة كي تقيها من السقوط في المطبات العديدة التي تتهددها
إلى أية حدود تسعفنا القصة القصيرة جدا في إعطائنا أكبر الفرص للتعبير عن ما يخالجنا ويسكننا من الظواهر والأشياء؟
هل ترى أخي محمد الفسحة التي يتيح رؤيتها قطار يمر؟ تلك هي الحدود التي تسمح بها القصة القصيرة جدا.. نزهة سريعة في الظواهر والأشياء والدواخل.. سريعة وخاطفة كوجيب القلب.. سريعة وخاطفة ومؤثرة.
هل يمكن الحديث عن جمالية القصة القصيرة جدا ؟ -
لا جنس أدبي، ولا فن دون مواصفات جمالية. وجمالية القصة القصيرة جدا في قبضها على نبض العالم بأقل الكلمات.. في المدهش والمفارق واللامتوقع واللايقيني، وفي تدوير أنفاس اللغة جهة الشعر، جهة النقاء والصدق وشفافية الدمعة
ماذا عن حدود الواقعي والمتخيل في هذا النوع الأدبي؟ -
هي نفسها حدود الواقعي والمتخيل في الأجناس السردية الأخرى، حيث بإمكان النص أن يسكن في البرازخ ومناطق الالتقاء، ويسافر من الهنا إلى الهناك، الآن وغدا والبارحة.. المهم هو العثور على الخلطة المناسبة التي تجعل من الخميرة والبهارات المعتمدة تحفة للإمتاع..
هل يمكن العثور على عناصر السيرذاتية في القصة القصيرة جدا؟ -
كل نص أدبي هو نص سيرذاتي إلى حد ما، والقصة القصيرة جدا ليست بدعا في ذلك.. هناك كاتب مغربي أصدر مجموعة اعتمادا على عناصر سيرذاتية.. لكن السؤال: إلى أي مدى يمكن للسيرة الذاتية كضفيرة وإسمنت للبناء السردي والتخييل أن تسعف في تقديم نصوص جيدة؟ وهو سؤال المعنى المطروح على الطريق، الذي ليس سوى أول الأسئلة، والذي لا يحمل بالضرورة أي حكم قيمة بصدد المجموعة كما فهم ذلك صاحبها يوما..
نسألك الأستاذ عن التقنيات والأدوات التي تلتزم بها وانت بصدد كتابة نصوصك القصصية القصيرة جدا؟ -
لا يصح أن نتحدث عن الالتزام بأدوات أو تقنيات في الكتابة، ولو أن لكل كاتب أوتوماتيزمات معينة واعية ولاواعية تشده إلى شكل معين من المعمار وأسلوب البناء. وعموما فذاك إحدى المسؤوليات التي تقع على عاتق النقد أن يستجليها حين يبارح كسله ومزاجيته.
وعوض التقنيات والأدوات، يمكنني الحديث عن مبادئ أولية أرى تعذر قيام نص قصصي قصير جدا بدونها: اللغة السليمة التي لا يجد الكاتب عنتا في الوصول إلى رحابها، والتي تتمسح بأهداب الشعر دون السقوط في الشعرنة الضاربة لعنصر الحكائية (أو القصصية).. وضوح الرؤية بحيث لا نقدم للقارئ معميات وألغازا بدعوى إشراكه في إنتاج دلالات النص.. والانزياح عن المتوقع، فالكاتب الذي يحمل القارئ إلى نفس الأزقة والباحات والحدائق ينتهي به المطاف إلى إشعاره بالمل.
ما الإنطباعات والقراءات التي يتركها النقد وأسئلته على عقل ووجدان القاص والمبدع حسن البقالي؟ -
كتبت عن بؤس النقد. وأنا في النهاية أتحدث عن بؤس الأخلاق والقيم التي تجعل من النقد سببا من أسباب تردي الوضع الثقافي وانحطاطه. وبؤس نظري حيث غياب المرتكز الفلسفي والخلفية النظرية المؤطرة للاشتغال، بعيدا عن أية نظرة تجزيئية تغيب الأسئلة الملائمة وتحيل المقالات النقدية إلى بطاقات بريدية متبادلة..
أكيد أن لكل قاعدة استثناء، ووسط هذا الركام الأغبر إشراقات نقدية لنقاد وناقدات يتمتعون بالمصداقية الأخلاقية على الأقل، وينطلقون من معايير محددة وموضوعية في التعامل مع النص الأدبي..
ما الذي أضافته القصة القصيرة جدا للأدب المغربي المعاصر؟ -
أضافت حضورا مميزا على مستوى العالم العربي، وبالمقابل تلالا من النصوص في حاجة إلى غربلة حقيقية بعيدا عن أنواع المجاملات والإخوانيات.
بماذا تذكرك الأستاذ حسن البقالي العناوين التالية:"سبعة أجراس لزمن البرتقال"و"قتل قط"و"الرقص تحت المطر"و"مثل فيل يبدو عن بعد"؟
"سبعة أجراس لزمن البرتقال" بداية التكريس لاسم حسن البقالي ضمن كتاب القصة .
"قتل القط" استهتار وزارة الثقافة الذي جعل القط قططا فنشرت المجموعة بعنوان "قتل القطط"..
"الرقص تحت المطر" و"مثل فيل يبدو عن بعد" تمتين أواصر العلاقة بالقصة القصيرة جدا والعزف بشكل ما مع أو ضد الفرقة العازفة.
ماذا عن مستقبل القصة القصيرة جدا في المغرب؟ -
بالشكل الذي تكتب به حاليا، بالفورة التي لا تهدأ وبالسعي الحثيث إلى المزيد من تجويع النص حد إحالته إلى نص شبح وهيكل من عظام، وبمحبة التقريظ والنفور من أي انتقاد مهما كان بناء.. لا أرى لها مستقبلا مشرقا، ضدا على المتفائلين الذين يرون فيها جنس المستقبل.
ما الذي جناه الكاتب والمبدع حسن البقالي من فعلي الكتابة والأبداع؟ -
الكتابة تنقذ من الفراغ واللامعنى.. وغير ذلك هي في العالم العربي مجال للمزايدات والحزازات والكثير من الوهم، وحيث الكاتب أمير بدون شعب..
الأستاذ الكريم .صدرت لكم أخيرا مجموعة"قط شرودنجر"عن مطبعة بوغاز بمكناس،فهلا شرحت لنا بعض الظروف والسياقات التي تحيط بهذه المجموعة القصصية الجميلة والمبهجة؟
صدرت "قط شرودنجر" في سياق الفورة التي تعرفها القصة القصيرة جدا كتابة ونشرا، والتي وجدتني منجذبا إلى الانخراط فيها كتجربة أخرى ومجازفة.. هكذا تشكل "قط شرودنجر" الضلع الثالث ضمن ثلاثية القصة القصيرة جدا بعد "الرقص تحت المطر" و"مثل فيل يبدو عن بعد".. ولعله الضلع الأكثر استقامة بحيث حاولت ألا تتسرب إلى المجموعة النصوص الأقل إقناعا.. كما أن نشر المجموعة أتى بعد نشرها إلكترونيا لدى دار للنشر الإلكتروني بلندن.
ماذا عن مشاريع حسن البقالي المقبلة على مستوى الكتابة الإبداعية؟ -
المشروع الوحيد الذي لدي حاليا هو مشروع إقبار مجموعة قصصية عن الربيع العربي المقبور، لم ترق إلى ما أريده.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire